5 - بحث حول المهدي
----------------------------- ص 67 -----------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم

----------------------------- ص 68 -----------------------------
الأستاذ محمد باقر الصدر عالم متبحر وشخصية لامعة يعتز بها الفكر المعاصر وهو في كتبه وأبحاثه ومقالاته يتميز بالموضوعية البعيدة عن التحيز والانطواء تحت لواء العاطفة والمصالح الشخصية لذلك جاءت أبحاثه في كل ما كتب أشبه بالقيم الفكرية إن صح هذا التعبير .
وهو من العلماء القائل الذين يجمعون في أسلوبهم بين دعامتي الأصالة في التعبير :
( أ ) التصوير الفني .
( ب ) الأسلوب العلمي القريري .
وهو حين يكتب في موضوع خطير كالمهدي فإنما يضيف رصيدا جديدا لذا المبحث الجليل لأنه موضوع المهدي في حساب العقيدة في مجال الغيبيات

- ص 69 -
والسمعيات شأنه شأن ذلك ، شأن نزول عيسى وخروج الدجال وظهور الدابة وغيرها من القضايا التي لا تعالج فكرتها باستخدام التجارب المحسوسة في معامل الطبيعة ( مختبرات الكيمياء وإنما تخضع للون آخر من البراهين يتفق مع طبيعتها الروحي ، أو بمعنى آخر تعتمد في البرهنة عليها على التجربة الروحية إن صح هذا التعبير وإذا استثنينا الصدر الأول من الإسلام وهو ما يقابل آخر القرن الثالث الهجري .
انقسم رجال الفكر من هذه القضية إلى فريقين : فريق يؤمن إيمانا جازما بخروج المهدي رائدهم في ذلك التسليم بما جاءت أحاديث المغيبات وما أثر عنه صلوات الله عليه من قضايا سمعية وهو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى وهذا الفريق - وهو الكثيرة الكاثرة من الأمة - في غناء عن الهروع إلى الأدلة والبراهين لإثبات موضوع المهدي - ذلك لأن الإيمان بلغ من قلوب أفراده درجة التصديق - وعلى المدى العميق الذي فيه يصدق الإنسان المؤمن بالمغيبات وكأنها ماثلة أمامه عيانا وهذا الموقف العقدي يهبه فيهبه الله من يشاء من أمة سيد الأنبياء وهم الذين عرفهم الله وميزهم على سائر الأمم بقوله لم تعط أمة من اليقين ما أعطيت أمتي .
وفريق آخر - وهم قلة والحمد لله - أشبه بمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ، وأمثال هؤلاء يريدون أن يقيسوا أمور الدين قياسا محدودا بمنطق عقولهم ، وكأن المعتقدات السمعية وسائر المغيبات تقاس على غيرها من الأمور الكونية ، فلا يصدقون إلا بما أثبتته التجربة في المعمل ويكذبون بما عدا ذلك
- ص 70 -
ونحن لا نستطيع أن ننعت هؤلاء بالجهل فإن منهم المثقفين بل والمتخصصين في الثقافات المختلفة ، كما لا نستطيع أن ننعتهم بالغباء فإن منهم الأذكياء والنوابغ ، ولكن أمثالهم - ما أخالهم إلا كما عبر الحديث النبوي : اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وإن ما بلغوه من ذكاء وحصلوه من علم وتجربة لا يجدي فتيلا لأنهم لا ينعمون بالعقل المدبر ، أو العقل القادر على حل قضايا الفكر ومشكلات الحياة ، وهو لعقل الذي أميل إلى تشخيصه بالعقل الشرعي الذي وهبه الله الفاعلية والقدرة على التوفيق بين المنقول والمعقول .
ومن ثم وقف هؤلاء - مهما بلغوا من تخصص في معارفهم - عند المستوى الذي وقف فيه الفلاسفة الماديون فحرموا بسبب ذلك نعمة الاعتقاد هذه الخارقة وخوارق الدين . ومن ثم كان ( العقل الفلسفي ) عاجزا عن تحقيق هذه المدارك الروحية على حين ارتقى إليها ( العقل الشرعي ) كما أوضحنا .
وفي العصر الحديث عظمت هذه البلبلة وتفاقم خطبها حين بهر الناس بتقدم العلوم الطبيعية ، وشاهدوا ما حققه علماء الطبيعة من خطوات كثيرة نحو كشف المجهول من أسرار الكون ، وما بلغه العلماء الماديون من تطوير في وسائل العلوم المختلفة حين ظهر تطبيقها واضحا في المجالات التكنولوجية .
بحيث وصل الإنسان إلى مستوى يستطيع فيه تحقيق كل مطالبه الحيوية ويصل إلى ما يريد من مرافق المعيشة في سهولة ويسر لا تكلفه شيئا أكثر من الضغط على أزرار معينة تكفل له كل ما يريد في السلم أو في الحرب