الجمعة الثالثة عشر من جمعات الإصلاح الإلهي (29-6)

بسم الله أمل الآملين وكهف اللاجئين وملاذ المفتقرين


اللهم أنت ربنا المستعان وأنت المنعم المنان وأنت العطوف الحنان ، فمن لنا غيرك يا ربنا نسأله كشف ضرنا والنظر في أمرنا ، وقد يأسنا من كل حول وقوة إلا حولك وقوتك ، ويأسنا من كل أسباب الأرض إلا سبب متصل بمددك ، ويأسنا من كل عقولنا إلا هديك وتسديدك ، اللهم فأنت العالم بضعفنا وأنت العارف بحاجتنا إليك ، ومن لنا غيرك يا ربنا ، فأنت أمل المؤمنين بك وثقة المحبين لك وملاذ المستغيثين ، فحاشاك أن تتخلى عن عبدٍ يضج إليك مؤمل برحمتك ، وحاشاك أن تترك من يدعوك بلسان التوحيد لك ويتوسل إليك بربوبيتك ، فكيف نبقى في العناء ونحن نرجو ما سلف من عطفك وجودك ، أم كيف تتركنا في البُعد عنك ونحن نأمل فضلك ورحمتك ، أما كيف تخدعنا الدنيا وأنت تسمع صوت دعائنا فيها وترى تقلب أحوالنا في أيامها ، أم كيف تتركنا لفتنتها وأنت تعلم ضعف نفوسنا وقلة صبرنا ، أم كيف تضيعنا أوهامها ونحن نناديك يا ربنا ، فخذ بأيدينا الى بر نجاتك ودار لقائك ونهج رضاك وساحة بركاتك ، ومُنَّ علينا بفضلك ولا نجاة لنا إلا بفضلك .. وصلي على طه الأمين المبعوث رحمة للعالمين وعلى أهل بيت توحيدك الهداة للناس أجمعين وعلى الأنبياء والأولياء ووارثهم بالحق المهدي المنصور بملائكتك وتأييدك والمؤمنين ..
إن مشكلة الإنسان في علاقته مع الله ربه أنه يجعل أمله بكل الأشياء الدنيوية والجهات الدنيوية والأسباب الدنيوية والمشاريع الدنيوية ولا يجعل أمله بربه رغم أنه يعرف معرفة اليقين أنه يعيش على أرض خلقها له الله ، ويأكل من زاد أوجده له الله ، ويشرب من ماء رزقه به الله ، ويستنشق هواءاً أنعم به الخالق عليه ، ويمشي بنور شمس سخرها له رب الجلالة ، وهو مع ذلك ينسى ويجعل أمله بقوى الأرض وأهل الأرض وأسباب الأرض ولا يرفع رأسه الى السماء من حيث أتى الخير كله ، وحيث خزائن رحمة ربه ، وحيث عطايا الله المعنوية تنزل من هناك وعطايا الله المادية تـُدبر أمورها من هناك ..
فالمفروض على الإنسان الذي يكون بأدب مع ربه أن يكون في يأسٍ من كل حلول الدنيا ولا يكون في يأسٍ أبداً من حل الله سبحانه لمشاكله الفردية الحياتية أو لمشاكل مجتمعه أو لمشاكله الروحية والفكرية والدينية ومشاكل إيمانه ، والمطلوب من الإنسان الـآمل بربه أن يكون في يأسٍ حقيقي من كل جهات الدنيا ويكون بأمل كبير من جهة السماء والغيب أي من جهة ربه سبحانه ، والمفروض أن يكون الإنسان بيأس كبير من خطط الدنيا مهما كانت ويكون بأمل كبير بخطة ربه سبحانه ، والمفروض على الإنسان أن يكون بيأس حقيقي من أسباب الدنيا مهما كانت من أموال أو أسلحة أو سلطة أو علوم أو أي شيء ويكون بأمل كبير بما عند الله من بركات السماء والأرض ، والمفروض على المؤمن أن يكون بيأس من كل وعود أهل الدنيا وبأمل كبير بوعد ربه سبحانه ، فيكون بهذا الحال عاقلاً مُدركاً للحقيقة أنه لا ينفعه إلا الله سبحانه ولا خير إلا بيد الله جل جلاله ، ويكون بهذا الحال مؤدباً في ساحة ربه ، فلا يتقلب بنعم الله سبحانه ثم ينكر نعمة ربه ويجعل أمله بأهل الدنيا ، فأساس الأدب مع الله سبحانه أن يكون أمل الإنسان بربه كبيراً بل عظيماً لأنه لم يرى من ربه إلا الخير وهو يتقلب في نعم ربه ، بل إن وجوده نفسه هو النعمة الكبرى عليه من ربه ..
فأساس الإصلاح الذي نحتاجه اليوم لقلوبنا وأفكارنا وإيماننا هو أن نقول كفى نظراً الى الأرض فلنرفع رؤوسنا وننظر الى سماء الله وما يأتي من الله من عطاء كبير ، وكفى نظراً الى جهات الأرض وقوى الدنيا فلنرفع رؤوسنا ونأمل بربنا فجهته هي الجهة الحق والحق من ربنا لا من سواه ، ونقول كفى نظراً لشؤوننا وهمومنا الأرضية فما الأرض إلا ممرٌ ومتاعٌ الى حين وكلنا سنذهب الى سماء ربنا فكيف نأمل بالخير الذي يأتي من الأرض وغايتنا هي ما يُصلح شأننا في السماء وعلاقتنا مع الله ، فأكبر غايتنا إصلاح إيماننا وإصلاح آخرتنا وبالتالي إصلاح مستقبلنا الذي في السماء قبل إصلاح حاضرنا الذي في الأرض ، وبالتالي فالمطلوب هو أن نرفع رؤوسنا بإتجاه السماء ونجعل أملنا بالله وبما يأتي من الله ، ونرفع قلوبنا لتتوجه بالأمل بالله سبحانه وتترك الأمل بالأسباب المادية ، فكل البلاء الذي حصل لأي إمرأة أو رجل في حياتهم الفردية بسبب جعل أملهم بأسباب الأرض وعدم نظرهم الى الله والى أسباب السماء ، وكل بلاء حصل لأي مجتمع شرقي كان أم غربي هو بسبب جعل أملهم بأسباب الأرض والإستهانة بأهمية أسباب السماء ..
أما الآن ومع بدء ثورة الإصلاح والهداية والتغيير الحقيقي فلن نقبل بعد الآن بجعل أملنا بجهات الأرض ، خصوصاً بعد أن كشف لنا الله واقعياً وعملياً مدى فشلها الكبير ، وكشفُ الله هذا كان عوناً كبيراً للطيبين والمؤمنين كي يتركوا الرهان على أسباب الأرض ويرفعوا رؤوسهم ، ويرفعوا نظر قلوبهم لينظروا الى ربهم والى أسباب السماء ، فإن المطلوب من المؤمن ليس أكثر من أن يجعل أمله بالله وينظر الى ربه ويثق بربه ويطلب من ربه ويلجأ الى ربه ، فهذا هو أساس الدين والإيمان ، أما أن يكون الإنسان مؤدياً لكل الطقوس ثم لا يؤدي العبادة الكبرى وهي الأمل بالله سبحانه فهو جاهل بحقيقة الإيمان وضائع عن الطريق الى الله سبحانه .



والحمد لله الذي لا يخيّب ظن عباده به ولا يبخل عليهم كلما أملوا به