نسمع الكثير في هذه الأيام ان المخطوفين في العراق لا يعودون الى ذويهم إلا وقد تمزقت وجوههم وتهشمت اطرافهم وتورمت رؤوسهم. وكل ذلك رغم دفع كامل الفدية للعلاسين. يتساءل الناس لماذا كل هذا الضرب والإيذاء والرجل وعدهم بالدفع؟






خطر لي نفس السؤال ولكن تذكرت إن هذا من تقاليد البلد العريقة.قرات كثيرا من الأمثلةوتذكرت بحكاية ابو حسين، مختار القرية. كانت السلطات العثمانية قد عهدت اليه بجمع الضرائب وتسديدها للحكومة. وبالفعل كان السيد ابو حسين يجمع الضرائب بالتمام ولكنه لا يسددها للدولة. وعندئذ يضطر القائمقام الى ارسال وحدة من الجندرمة تحاصر بيت المختار حتى تمسك به وتنهال عليه بالضرب فتدمي وجهه وتنتف لحيته وتمزق دشداشته، ولا يملك ابو حسين في الأخير غير ان يذعن ويدفع ما جمعه من ضرائب ويسدد حقوق مأمور المال، الذي يأخذ حصته منها طبعا.

ومن سنة الى سنة، دأب هذا المختار على هذا السلوك. يجمع الضرائب ويستأثر بها حتى يبعثوا اليه من ينتزعها منه بالقوة والضرب.

اخيرا توفي الرجل وانتقل الى رحمة ربه واستلم المسؤولية ابنه حسين. وكان شابا متنورا وعاقلا، فلم ير في ذلك السلوك أي معنى او جدوى. راح يسدد مستحقات الحكومة في حين استحقاقها بدون أي قيل وقال.

جاء يوم وكانت ام حسين جالسة بين زميلاتها في الحريم وهزت رأسها مستاءة عما بدأت تلاحظ وقالت: «يا اخواتي، راحوا رجال زمان الأول. المرحوم ابو حسين كان ما يدفع فلوس الحكومة الا بعد ان يشقون راسه ويجري الدم على طول دشداشته. اولاد هالزمان يا بعد عيني. اول ما تجيهم ورقة الحكومة يروحون دافعيها، لا قول ولا كلام. ما بقت رجولة بهالديرة!»

بيد ان هذه الملاحظة لم تنطبق على ذلك الزائر الايراني الذي جاء لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف. كان من المعتاد قبل ظهور السيارات ان يشد الاتقياء الايرانيون رحالهم الى العراق مشيا على الاقدام. وكان واحدهم يجلب معه سجادة يصلي عليها وينام فوقها ويتغطى بها في البرد ثم يبيعها في بغداد وينفق على زيارته من ثمنها. ولكن اللصوص وقطاع الطرق اعتادوا على التربص لهم فيسلبونهم سجاداتهم وامتعتهم وحتى ملابسهم. وبالطبع كان بعضهم يقاوم ذلك وهو ما حدث لعباس آغا. خرج عليه اللصوص وصاحوا به «انزع هدومك!» ولكنه لم يستجب فانهالوا عليه ضربا يحاولون انتزاع ملابسه وهو يحاول التمسك بها. مزيدا من الضرب والركل واللطم وهو يصرخ ويتباكى والدم ينهار من اركانه. رق على حاله احد المارة فقال له :«ولك، حاج آغا، انزع هدومك وسلمها لهم وخلص روحك من كل هالضرب والعذاب!" فأجاب الزائر الإيراني واللطمات تتهاوى على رأسه وهو متمسك بسرواله وسترته وسجادته، يردد قائلا:«لا انزع ملابسي كنت مظلوما او ظالما حتى يراني الله».
ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ
ولا يسعني الا ان اقول
الى متى يبقى العراق يخطف ويضرب
الى متى يبقى العراقي يخطف ويضرب