وأقبل الظلام للمدينة الصغيرة
تلالها الشاحبة ... تقبع في اركانها
تحيط بأكواخها الصغيرة الحزينة
وتسلل الجميع نحو دارهم
حتى الشتاء
جاء متسللاً من النوافذ الصغيرة
وخلت الشوارع ... إلا من الرياح
مدينتي مترامية ... لكنها صغيرة
شاحبةٌ حزينة
يقال إن اهلها أناسٌ طيبون
وفيهم السذاجة
وبعضهم أشرار
أو إنهم أوغاد
لكنهم كذاك تنقصهم الشجاعة
يأوون مثل البرد للأماكن الدفيئة
******
وللظلام في مدينتي روايةٌ طويلة
تحفظها ... حتى النساء
ويلوكها الجميع في مجالس المساء
ويتندر بها الأطفال في ليالي السمر
قبل أن يجيء الغول
ويأكل القمر
فتغرق المدينة في الظلام
******
يقولون إن الغول في سراية المدينة
يأكل الضمائر المريضة
ثم يخلد للنوم في سرادقٍ أمينة
يحيك في أحلامه مصائر العباد
ويستجد خطةً لنجدة البلاد
لكنه ... يصحو غولاً مع الصباح
ويطرد الوساوس اللعينة
وتشرق المدينة
ويهرع الجميع في دوامة الحياة
وتشرع النساء دفة الحديث
في كافة الأحياء
لتستقي رواية الظلام
وقصة المساء.
******
وأشرقت مدينتي العتيقة
على تلالها الكئيبة
رمالها الغبراء ... تفرش الفضاء
******
مدينتي قديمةٌ
منذ المئات الماضيات من سنين
كانت - كما يقال - عاصمة
سلطانها التنين ... ينفث النيران
فيحرق الأعداء واللصوص
ولكن السنين تنطوي
ويرحل التنين
وأصبحت مدينتي عاصمة السحالي
فكثرت الشقوق والمخابئ
ونسجت العناكب العملاقة فوق قبة السماء
فصار لونها رمادي
وأصبحت مدينتي غبراء
حتى النوافذ القديمة يملؤها الغبار
تئن من البرد تحت وطأة الشتاء
******
الوقت عندنا مملٌ ...
يمشي على استهوان
يشبه حارس السرايا في وقوفه الطويل
يراقب المارين في سرادق الحياة
******
في داخل السرايا ....
قصةٌ دفينةٌ يحيكها الجلاد
فصولها ثلاثة
واحدها الشتاء
والثاني كأنه شبحٌ من السماء
أما الأخير ... لم أر ملامحه
فقد أقبل المساء
وعادت الغيلان للمدينة
وقبعت النسوة في دواخل البيوت
يحكين ما حصدن من روايةٍ جديدة

(كرم الدين)