قصص واقعية مع المدمنين على المخدرات
محاضرة (كنت مدمناً فأصبحت مؤمناً)
سامي بن خالد الحمود
أيها الأحبة .. عالم المخدرات عالم غريب ، مليء بالأحداث والمآسي .. وقد وقفت على كثير من أحوال هذا العالم خلال عدة سنوات عملت فيها في مكافحة المخدرات قبل انتقالي إلى العمل بالتوعية .
وخلال هذه السنوات .. اجتمع عندي العديد من المواقف والدروس والتجارب .
ولا زلت حتى هذه الأيام أقف على العديد من الصفحات المآساوية في هذا العالم المظلم .
قبل أشهر يصلي معي شاب منكس الرأس مسود الوجه ، ويقول : عندنا مدمن في البيت نريد له حلاً ، من المدمن؟ إنه والد الشاب .
يقول : أصبح الوالد مصدر خوف وقلق في البيت .. حتى أخواتي البنات أصبحن لا يأمن على أنفسهن في البيت ، والله المستعان .
وفي أحد الأيام يتصل بي أحد الإخوة من المنطقة الغربية ، ويخبرني بحادثة مؤسفة لأسرة ابتليت بأب مدمن .. لما فقد هذا الوالد عقله وقع والعياذ بالله على ابنته التي في العشرين من عمرها .. لم تحتمل البنت الصدمة فألقت نفسها في خزان الماء وماتت غريقة .
يقول : الآن أختها الأخرى في البيت عمرها سبعة عشر عاماً ، وهي تخاف أن يحصل لها ما حصل لأختها ، فماذا تفعل؟
إنه عالم المخدرات .. عالم الدموع والعبرات ، والآلام والحسرات .
موضوع محاضرتنا هذا اليوم : قصتان عجيبتان لشابّين من مدمني الهيروين .. هذان الشابان قاما بزيارتي في المنزل ، بعد أن نجّاهما الله من جحيم المخدرات .
وقد رأيت أن أجمع في هذه المحاضرة بين المتعة والفائدة .. المتعة بمتابعة أحداث قصة الشابين من عالم المخدرات .. والفائدة بحيث أذكر في ثنايا القصتين بعض الدروس والخبرات التي يستفيد منها الشباب المدمنون وغير المدمنين ، ويستفيد منها كذلك الأهل والمربون وكل من له علاقة بالمدمن .
ولنبدأ بالشاب الأول ..
يقول الشاب : نشأت في بيئة سيئة .. عندما كنت في السنة الثالثة الابتدائي ، كنت أرى والدي يدخن السجائر ، فآخذ السيجارة وأتعلم التدخين في دورة المياه .. مضت الأيام وكان الوالد يحضر المسكر إلى المنزل ، فكنت أشرب معه .
@ وهذه وقفة سريعة في خطورة القدوة السيئة التي تكون في بعض البيوت ، بحيث يكتسب الطفل بعض السلوكيات الخاطئة من أبيه نظراً لشدة محاكاته له .. وهذا الأمر من أهم أسباب الإدمان والانحراف .
يقول الشاب : مضت الأيام .. وكنت أشعر بالفراغ والملل .. قال لي أحد الشباب : جرب هذي الحبوب .. أخذت حبوب الهلوسة ، ودخلت حينها عالم المخدرات .
وعندما بلغت سن السادسة عشرة ، كنت أجلس مع بعض الشباب ، فدخل علينا أخي الأكبر وقال : عندي لكم شيء ، لكنه سر . قلنا : ماهو؟ قال : حشيش . قلت له : تريد أن تورطنا في المخدرات ؟ قال : لا يا أخي ، الحشيش مثل الدخان ، ليس فيه إدمان .. أحضَرَ لنا الحشيش وقمنا بتدخينه ، ومنذ ذلك اليوم أدمنت على الحشيش .. والعجيب أن أخي لم يستمر في تعاطي الحشيش .. وإذا تذكر الآن أنه هو السبب في دخولي عالم الحشيش يشعر بالأسى والحزن .
تطورت علاقاتي مع المدمنين والمروجين حتى تعرفت على المروج الكبير ، فكان يعطيني كميات من الحشيش لأقوم ببيعها في مقابل نسبة منها .
@ التدرج .. خطوات الشيطان .
وبعد ثلاث سنوات من إدمان الحشيش ، كنت أجلس مع بعض الشباب فنقول لبعضنا: ما عاد يكيّفنا الحشيش ولا الشراب ولا الحبوب . فقال لي أحد الشباب : أمس تعاطيت هيروين . قلت له : كيف الهيروين؟ قال : تصير ملك . ووالله إنه كذاب .
@ الشعور الزائف .
دخلت عالم الهيروين فتحطمت حياتي ، وزادت مصروفاتي .. كنت أدخل البيت والوالد نائم ، فأسرق النقود من جيبه .
وفي بعض الأحيان كنت أكذب وأحتال على الوالد المسكين .. في إحدى المرات أخذت كرتون علاج من البيت ، ثم ركبت مع الوالد وقلت له : أريد أن أشتري الدواء من الصيدلية الفلانية .. توقف الوالد عند الصيدلية وأعطاني النقود وجلس في السيارة .. فنزلت وذهبت إلى أحد المروجين واشتريت منه هيروين ثم رجعت للوالد بسرعة .. قال لي : تأخرت؟ أين ذهبت؟ قلت : الصيدلي كان رايح يصلي . قال : أين الدواء؟ فأخرجت له الدواء الذي أخذته من البيت .
وفي يوم آخر ، دخلت على الوالد وطلبت منه فلوس . قال : ما عندي . فهددته : إلا تعطيني اذهب إلى بيت عمي أو أي مكان وخذ منهم فلوس . قال : يا حبيبي السيارة ما فيها بنزين . قلت : تصرف ، امش على رجليك .. كان الوالد يخاف من حصول مشاكل في البيت فذهب يبحث لي عن فلوس ، ثم اتصل علي ، فرديت عليه بعصبية : هاه حصلت فلوس . فقال: نعم تعال في المكان الفلاني وخذها .
@ وفي هذا الموقف درس للآباء .
بعض الآباء عنده غفلة ، وتنطلي عليه أدنى حيلة ، وهذا الأمر يشجع الولد على الاحتيال واختلاق الأكاذيب .
وبعض الآباء عنده ضعف وسوء تصرف .. إذا اكتشف الموضوع ، وعلم أن الولد بدأ في الإدمان تستر عليه ولم يحرك ساكناً ، ,قد يرضخ لبعض مطالب الولد بدعوى أنه قد يسبب مشكلة أو فتنة في البيت .. ونحن نقول: ( ألا في الفتنة سقطوا) .. إن هذا التصرف لا يحل المشكلة بل هو كالحطب الذي يلقى في النار المشتعلة لا يزيدها إلا اشتعالاً ، وكان الأولى بهذا الوالد إذا فقد السيطرة على الموقف ألا يستسلم ، وأن يستعين بمن يعينه على حل المشكلة .
يقول الشاب : كان الوالد يعيّرني أمام الأسرة إذا غضب : يا حشاش !! يا مخدراتي – وأقول : وهذا أيضاً من الخطأ - ، يقول : وفي يوم من الأيام ، قلت لأخي الصغير : ادخل البيت . فقال لي : اسكت يا حشاش .. حشاش؟ يقول : أعطيته كم كف وضربته حتى دخل البيت وهو يبكي .
@ وهنا درس سريع في خطورة استفزاز المدمن أو السخرية منه ، لأن هذا التصرف ينفّر النفوس ، ويقطع الروابط ، ولا يقدم حلاً للمشكلة .
يعني أعرف بعض الشباب الذين ازدادوا في الانحراف بسبب سوء تعامل الأهل معهم .
أحد الشباب الموقوفين في دار الملاحظة عمره ستة عشر عاماً ، يقول : علم والدي أني أدخن .. فقام بسبي وضربي في الشارع أمام الناس ، فهربت إلى زملائي وجلست عندهم أسبوعين .
يقول الشاب : كانت الوالدة تتألم لحالي ، فقالت : أنت لا يصلحك إلا العمرة .. وأخذتني معها إلى مكة .. في الحقيقة ، كنت في شوق كبير لرؤية الكعبة التي لم أرها في حياتي ، كلما قطعنا مسافة ، أقول للوالدة : متى نصل إلى مكة ؟ .
ووصلنا أخيراً.. ودخلت الحرم .. ولما رأيت الكعبة كنت كالذي يرى الجنة .. أصابني شعور غريب .. أحسست بالندم .. وتذكرت ذنوبي وغفلتي .
رجعت من العمرة وقد تأثرت بما رأيت .. لكن هذا الأثر بدأ يضعف فعدت إلى المخدرات مرة أخرى .. ومع هذا كان أعظم شيء استفدتُه من العمرة أني بدأت أحافظ على الصلاة .. كنت أصلي حتى بعد رجوعي للمخدرات .