هو الذي يؤثرك على نفسه و يتمنى لك الخير دائما والذي ينصحك اذا راى عيبك و يشجعك اذا رأى منك الخير ويعينك على العمل الصالح والذي يوسع لك في المجلس و يسبقك بالسلام اذا لقاك ويسعى في حاجتك اذا احتجت اليه والذي يدعي لك بظهر الغيب دون ان تطلب منه ذلك والذي يحبك بالله و في الله دون مصلحة مادية او معنوية والذي يفيدك بعمله و صلاحه و أدبه و أخلاقه و الذي يرفع شأنك بين الناس و تفتخر بصداقته و لا تخجل من مصاحبته و السير معه والذي يفرح اذا احتجت اليه و يسرع لخدمتك دون مقابل.
اسمع اخي المسلم لقول الإمام الشافعي ..
إذا المـرء لا يرعـاك إلا تكلـفـاً فدعـه ولا تكثـر عليـه التأسـفـا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحـة وفي القلب صبر للحبيب ولـو جفـا
فما كل مـن تهـواه يهـواك قلبـه ولا كل من صافيته لـك قـد صفـا
إذا لم يكـن صفـو الـوداد طبيعـة فلا خير فـي خـل يجـيء تكلفـا
ولا خير فـي خـل يخـون خليلـه ويلقـاه مـن بعـد المـودة بالجفـا
وينكـر عيشـاً قـد تقـادم عـهـده ويظهر سراً كان بالأمس فـي خفـا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صـدوق صـادق الوعـد منصـفـا
وقال حكيم : الإخوان بمنزلة النار ، قليلها متاع (اى يستفاد منها) ، وكثيرها بوار (كالحرائق)، فلا تسرف في كثرة الإخوان إذا لم يكونوا أخيارا . وقواعد الصحبة كما نرى إما أن تكون دنيوية : كالانتفاع بماله أو سلطانه وجاهه أو علمه الدنيوي أو نسبه أو الاستئناس بجيرته والجلوس معه ، وكلها أمور تباح أو تحرم بحسب نية كل إنسان ، إن خيرا فخير وان سوءا فسوء ، (وهذا ليس الغرض من حديثنا الان ) أو أن تكون الصحبة والصداقة يقصد بها وجه الله تبارك وتعالى ومنفعة الآخرة ، وهى موضوعنا ، وقد يدخل فيها فوائد وأغراض متداخلة مع بعضها البعض يبيحها الشرع ويحرض عليها في بعض الأحيان مثل رغبة الاستفادة من العلم النافع والعمل الصالح عندما تصاحب ذلك الصديق.
وقد ضرب لنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مثلا في ذلك حينما آخى بين المهاجرين والأنصار ليتم تبادل العلوم الشرعية وروح التضحية ورغبة العمل الصالح بينهم ولأجل هذا السبب أيضا كان يبحث النبي الكريم عن البيئة الآمنة حيث كان يمشى في الأسواق والمجامع ويقول : من يؤويني من ينصرني ؟ حتى ابلغ رسالات ربى وله الجنة ؟ وطلب من أصحابه القدامى الهجرة إلى المدينة ليتحصنوا بها ويستعينوا بالأنصار وجاههم في نشر هذا الدين المبارك . ومن فوائد الصحبة الصالحة الاستفادة من الجاه الذي عند صاحبك تحصنا به عن الإيذاء من الآخرين مما قد يفسد عليك التفرغ والعبادة وطلب العلم ونشره بين الناس ، إذ إن الفزع والخوف يصدان القلب عن الفهم والحفظ والوعي والعمل للدين وقد فعل لوط (عليه السلام ) ذلك حينما جاءه قومه يطلبون ضيوفه لفعل السيئات فتمنى على الله ان يكون له جاه يحميه من قومه فقال : (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) ومن ذلك أيضا أن تستفيد من مال صاحبك الغنى الصالح ( برغبته وبطريقة مقبولة شرعا ) ان كنت ممن لا يحسن كثيرا عمل الدنيا ومشغول بطلب العلم ، مما يكفيك به عن تضييع الوقت الكثير في طلب المعاش الذي يضيع به كثيرا من رأس مال الإنسان في ذلك وهو وقته وصحته اللذان يستفيد بهما في طلب أخرته وقد راينا أغنياء وأمراء الزمن الأول يتنافسون فى إعطاء المال والهدايا للعلماء وطلاب العلم طلبا منهم لرضا الله تبارك و تعالى وتوفيرا لوقت العلماء ، مع التنبيه ان يكون ذلك بالاستعفاف وطلب الحلال وهو الاولى كما قال المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ (والمغبون هو الذي يشترى شيئا رخيصا بثمن غال ) فهو يشترى الدنيا الرخيصة بتضييع وقته الغالي الذي يساوى الآخرة فيها جنة عرضها السماوات والأرض .
اسمع قول علي بن ابي طالب كرم الله وجهه
كن ما استطعت من الانام بمعزل - ان الكثير من ا لورى لا يصحب
واجعل جليسك سيدا تحظى به - حبر لبيب عاقل متأدب
وانا اقول لك
واذا صاحبت فاصحب ماجدا ذا عفاف وحياء وكرم
من صاحب الانذال حقر ومن جالس العلماء وقر