لماذا لا يتفاوض (مقتدى الصدر) مع المحتلين لإطلاق سراح المعتقلين
كتابات - راسم المرواني
الساسة الدنيويون ، والبراغماتيون ، والرأسماليون ، والميكافيلليون ، والمتاجرون بالأديان ، يضاجعون (السياسة) العاهر على فراش المبادئ ، ويلهثون بين أحضانها لهاث الكلاب ، ويستنشقون رائحتها (الزنخة) كأنهم يستنشقون عطر الدرّاق ، ويتلمسون وجهها المكتظ بالقذارة والخبث كأنهم يتلمسون نعومة السوسن .
الساسة الدنيويون ، المنافقون ، هم دائماً يبحثون عن مكاسب الأرض دون أن ينتبهوا لفيوضات السماء ، ولديهم القدرة على أن يطأطأوا رؤوسهم بحثاً عن طريق نيسمي بين كتل الأحجار ، دون أن ينتبهوا الى نشوة السمو وروعة التألق الى الدروب المؤدية الى العلياء .
السياسيون الدنيويون ، بعضهم يطالب بحقوق الشيعة ومكتسباتهم ، وبعضهم يطالب بحق السنة وامتيازاتهم ، والبعض يطالب بحقوق العرب ، وآخرون يطالبون بحقوق الأكراد ، والتركمان ، والمسيحيين ، والأيزيديين ، والشبك ، والصابئة ، وكل هذا ليس عيباً ، ولكن العيب أن لا يوجد من يطالب بحقوق الله ، وكأن الله ليس موجوداً البتة .
أما مقتدى الصدر ، ومعه الشرفاء ممن يحترمون حقوق الله ، وحقوق الأرض ، وحقوق شركائهم في الإنسانية ، فهم مختلفون ، ولا يشبهون الدنيويين ، وإن أقصى غايتهم هي رضا الله قبل رضا أنفسهم أو رضا الناس ، ولذا فهم مبتلون بتخرصات وتساؤلات يبثها الباحثون عن المنافع الآنية ، والمتسلقون .
البعض يرى أن (مقاومة المحتل) أسلوب للحصول على مزيد من المكاسب على الأرض ، ووسيلة للضغط على المحتل ليس لإخراجه من أرض الأنبياء ، أو تطهير عاصمة العالم من دنس بساطيل العتاة ، ولا لأجل إعادة الكرامة للعراقيين ، ولكن من أجل الوصول الى دفة الحكم أو كسب مقعد في البرلمان ، وهم مستعدون أن يدوسوا شعاراتهم تحت أقدامهم من أجل دنياهم ، وأولئك الذين كسبوا الأرض وخسروا السماء .
بيد أن السيد مقتدى الصدر والشرفاء معه ، يرون بأن (المقاومة) هي تكليف شرعي ، وواجب عيني ، وحق قانوني لكل عراقي يشعر بانتمائه للوطن والإنسانية .
مقاومة المحتل عند مقتدى الصدر تعني أن يسلك (المقاوم) طريقاً لا تكتنفه الدعة والراحة ، ولا تتغشاه الزهور ، وهو طريق فيه مرضاة الله ، ونشر الفضيلة ، والجود بالنفس ، وتحمل الصعاب ، ولئن المقاومة تعني الحفاظ على الدين والوطن والعرض والإنسان ، ولأنها تعني المحافظة على الشرف ، فهي عطشى للدماء ، وكما قال شاعر قديم (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدمُ) .
الصدريون وكل المقاومين الشرفاء ، حين سلكوا طريق المقاومة ، كانوا قد وطنوا أنفسهم على الموت والإعتقال ، والتهجير والغربة ، واحتمال الألم ، وتجرع مرارة الأسر ، ولذا فهم لا يستهجنون وجع المعتقلات ، ولا يتفاجأون من ظلمة الزنازين ، ولا يضجرون من وحشة السجون ، ولا يضعفون تحت سياط التعذيب ، لأن غايتهم السامية هي رضا الله قبل كل شئ .
رأيت الصدريين مهجرين في وطنهم ، وخارج وطنهم ، ورأيت فيهم القلة ممن يقع باللائمة على مقتدى الصدر لما يعانيه ، وكأنه كان يقاوم من أجل رضا مقتدى الصدر وليس احتساباً واكتساباً لمرضاة الله ، أما الأعم الأغلب الأكثر فهم مبتسمون ، مستبشرون ، واثقون ، يشعرون أن رضا الله فوق كل رضا ، وطاعته هي الطاعة ، ولذا فهم ثابتون ، مرابطون ، لا يلومون مقتدى الصدر ، بل يشكرونه لأنه ما زال يحفظ لهم كرامتهم ، ولم يدنس ثيابه بالخضوع لضغوط المحتلين ، رغم ما يعانونه من ألم الغربة والمطاردة والأسر والإعتقال .
البعض يسأل ، وله الحق أن يسأل ، لماذا لا يتفاوض مقتدى الصدر مع المحتلين من أجل اطلاق سراح المعتقلين ، وأنا سأجيبه عن مقتدى الصدر ، وحسب فهمي لخطوات ورؤى وذوق هذا الرجل ، بل وحسب قرائتي لبياناته وتصريحاته المتكررة .
?كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة??كلمة ممنوعة?
1/ وجدت مقتدى الصدر يشكر المقاومين الذين خرجوا بسلاحهم لمقارعة المحتل ابتغاء لمرضاة الله ، وبحثاً عن الكرامة ، ورغبة في ما عند الله ، وطلباً لصنع غد الإنسان المشرق .
2/ وجدت مقتدى الصدر يشكر الصابرين في المعتقلات ، ويحتسبهم عند الله ، ويدعو لهم بالفرج المكلل بالكرامة والعزة ، ويؤدي تكليفه الشرعي والأخلاقي في مساعدة عوائلهم ، وحشد أصوات الشرفاء للمطالبة باطلاق سراحهم .
3/ وجدت مقتدى الصدر ، يرى بأن أرسطو حين رفض عرض من عرضوا عليه (تهريبه) من السجن في ليلة إعدامه ، إنما كان بسبب إيمان أرسطو بأن الموت أشرف من لعنة التأريخ ، وهو أسمى من التسليم للظالمين ، وكان يرى بأن الموت محض انتقالة من عالم الجسد الى عالم الروح المتسامي .
4/ مقتدى الصدر يرى أن الحسين عليه السلام كان يمكن أن يفاوض ابن سميّة وابن زياد ، وكان يمكن أن يحاورهم لكي يحافظ على دماءه ودماء أنصاره وشيعته ، ولكنه آثر الموت والشهادة والسبي ، وقال ( لا أجد الحياة مع الظالمين إلا بَرَما) .
5/ عرفت بأن مقتدى الصدر ، يرى بأن التفاوض مع المحتل يمثل سحقاً للمبادئ ، وقمعاً للثوابت ، وإجهازاً على حقيقة الدين ، وقتلاً للوطن ، وانكساراً للقيم ، وطمساً للإنسانية ، وتسليماً للمحتلين ، وهتكاً لدماء الشهداء ، وغدراً بتضحيات المقاومين ، وضربة في صميم الحق .
6/ علمت بأن مقتدى الصدر يعرف بأن التفاوض مع قوات الإحتلال من أجل اطلاق سراح المعتقلين لن يمر بمجاملة ونفاق سياسي ، بل لابد للمحتل من مطالب ومكاسب ، ولابد في التفاوض من معاوضة ، وهذه الـ (لابديـّة) واقعة في كل تفاوض يجري على وجه الأرض ، فماذا سيطلب المحتل من مقتدى الصدر حين يطلق سراح المعتقلين يا ترى ؟
7/ وجدت مقتدى الصدر ، وهو يرى بأن مجرد التفاوض مع المحتلين إنما يعني شرعنة وجود الإحتلال ، والحوار معهم - بشكل مباشر أو غير مباشر - إنما يعني الإعتراف بهم كسلطة ووجود وكيان ، والتسليم لهم كأمر واقع يجب الرضوخ له ، وهذا دونه خرط القتاد بالنسبة لمقتدى الصدر .
8/ أعرف أن مقتدى الصدر يرى بأن تبادل الأسرى مع المحتل ، يعني استمرار لعبة القط والفأر ، وديمومة لعبة (الغميضة) ، فالمحتلون يعتقلون المقاومين ، والمقاومون يختطفون الجنود الأمريكان ، وغداً تبدأ المحادثات ، وبعدها المناورات ، وتنتهي بالتبادل ، وتستمر اللعبة الى يوم يبعثون .
9/ مقتدى الصدر يعرف بأن التفاوض مع المحتلين سيؤدي شيئاً فشيئاً الى بيع المقاومة ، والإنغماس في مستنقع الرذيلة ، وبداية الإنحطاط والإنزياح نحو المزيد من المكاسب الآنية التي ستبدأ بمصافحة المحتل ، ولن تنتهي الى بالعناق والقبل والتغاضي عن كثير مما لا يرضى الله بالتغاضي عنه ، وهذا ما سقط به معارضو الأمس حين انزلقوا اليوم في متاهات السياسة ، وأصبحوا ذيولاً للإحتلال .
10/ الغاية عند مقتدى الصدر لا تبرر الوسيلة ، ومقتدى الصدر يعرف بأن الغاية والوسيلة كلاهما من جنس واحد ، والوسائل المنحطة لا يمكن أن تؤدي الى غايات سامية .
11/ ومقتدى الصدر يرى بأن التفاوض مع المحتل يعتبر مقدمة لنتيجة أكبر ، ويعرف بأن النتائج تعتمد على أخس المقدمتين .
12/ لو كان مقتدى الصدر في العراق ، ولو كانت قوات الإحتلال في دولة من دول الجوار ، كما هو الحال عند حزب الله في لبنان ، لحق لمقتدى الصدر وأتباعه أن يناوروا العدو ، ويستخدموا معه آلية الخطف والتفاوض ، لأن ذلك لن يخدش المقاومة ، بل يعززها ، ويمنحها القوة والعزة ، ولكن محنة مقتدى الصدر تختلف ، فعدوه في أرضه ، يعيث بها فساداً .
إن أقصى ما يمكن لمقتدى الصدر أن يفعله (وفعله) هو أن يحشد الطاقات والتظاهرات ، والتجمعات والإعتصامات ، والمسيرات والبيانات ، ويحرك الضمير الإنساني للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين ، ملتفتاً من جهة أخرى الى تأدية حق الأخوة والوفاء لهؤلاء المعتقلين عبر إعانة عوائلهم ، وضمان معيشتهم بالقدر الذي يؤذن الله في إمكانيته .
وحسب معرفتي وقرائتي لذوق مقتدى الصدر وتوجهاته العقائدية والفكرية والوطنية والإنسانية ، فأنا اجزم أنه (لم ولا ولن) يتفاوض مع المحتلين من أجل أي قضية كانت ، ولأي أسباب كانت ، حتى قضية خروج المحتل من العراق ، فلن يتفاوض بها السيد مقتدى الصدر مع المحتل ، لأنه يرى أن خروج المحتل لا يستدعي التفاوض أبداً ، فهو فرض على المحتل .
لا يجد مقتدى الصدر حرجاً في أن يتفاوض مع حكومة العراق من أجل اطلاق سراح المعتقلين (الأبرياء) في سجون الحكومة العراقية ، خصوصاً بعد أن تعهدت الحكومة العراقية بفتح ملفات المعتقلين لديها ، ولكنها تنصلت كأي منافق كاذب عن وعودها .
وفوق هذا ، نجد مقتدى الصدر يطالب الحكومة العراقية بأن تمارس دورها بالضغط على قوات الإحتلال في إطلاق سراح المعتقلين لكي تثبت للشعب أنها حكومة عراقية ، وليست حكومة احتلال .
العراق / عاصمة العالم المحتلة