العرب أونلاين- محسن الذهبي
يمكن القول عن تجربة الخزاف العراقي سلام جميل المغترب منذ سنوات بمدينة مشيغان الامريكية بانها تجربة تكميلية لمسيرة لعدد من الخزافين العراقيين المجددين ابتداء من الرائد الراحل سعد شاكر ومرورا بالاستاذ شنيار عبد لله وغيرهم من اولئك الذين حاولوا الربط بين الفنان كذات و منتجه الفني بوشائج ثقافية جمالية تكاملية ومالها من تأثير المثاقفة التبادلية ما بين الإنسان المبدع ومحيطه البيئي والجمالي والحضاري من ناحية و بين تشكيل ذاكرة بصرية ومرجعية ثقافية لهذا النمط الإبداعي.
فكانت تجاربه الفنية في عالم الخزف خلال اكثر من ثلاثين عام محاولة جادة للكشف عن القوانين البنائية والصيغ الجمالية واستثمارها في صياغة اعماله الخزفية للوصول بها إلى علاقات عضوية تجسد قيما تشكيلية خاصه به كفنان و بحرفيتة كخزاف عارف باسرار وتقنيات بناء ومعالجات السطحية الطينية ومجسدا لخيال الفنان المبدع في خلق علاقة جدلية بين التصور والشكل عبرالبحث الدائم عن جوهر تلك البنائية لاستخلاص نظم وتراكيب وعلاقات شكلية جديدة ومبتكرة.
فكما يؤكد "جيلفورد" أن "التفكير الإبداعي تفكير افتراقي يتميز ببحث وإنطلاق في إتجاهات متعددة، وهذا يتوافق ومفهوم التجديد وممارسة التجريب، والتربية الفنية تدعو إلى التجديد بمفهوم الفكر الإبداعي وذلك من خلال إيجاد صياغات وحلول سواء لموضوع أو عنصر تشكيلي معين، من خلال ممارسة الأسلوب التجريبي كآداء لبعض التنظيمات الحركية بين الأشكال, والمساحات, كالتبادل، والتجميع، والتناوب، والتتابع، والتنظيم المنعكس، والحذف، والإضافة".
والفنان سلام جميل هوابن الطين وهو الوريث الشرعي لذلك الخزاف الرافديني البدائي الذي رسم للعالم قبل ملايين السنين شكل الحرف الاول وصورالكتابة برموزه على اللواح الطين ليضيف للحضارة اولى لبنات المعرفة والجمال.
لذا لن يبتعد كثيرا في فنه بين التجلي الإبداعي والتمكن من التقنية والعمق الفكري لتحقيق رؤية خزفية جديدة تتميز بالجدة والتفرد والحيوية للخروج من الحيز النفعي والتزيني للخزف والعودة به إلى فضاء التعبير الجمالي ، أسوة بالفنون البصرية الاخرى التي تتخذ هذا الاتجاه، والتي تهدف إلى الارتقاء بمستوى الجمال الذي يرنوا اليه.
فامست أعماله تتضمن قيماً جمالية وتعبيرية تضاهي تلك فنون التشكيل الاخرى إن لم تكن تتفوق عليها أحياناً اننا نعرف إن فن الخزف هو فن الرسم بالنار والطين.
وهو نحت وتصوير وصناعة . فما كان منه الا استبعاد دور "الدولاب " المتورث والأشكال المستديرة الممتلئة بالنفعية المنزلية والتزينية لصالح نزعة تجريدية تعبيرية مفتوحة على الارث الفني والجمالي الواسع للفن ليذهب به صوب الجدار فيعود الى روافد النحت العراقي القديم من الرقم الطينية وجدران المعابد والمدن ليوائم بها صيغ ارتبطت بتجربته بالخروج عن المألوف نحو الابتكار والتجديد، سواء على صعيد شكل العمل الخزفي، أو على صعيد الوظيفته الاستخدامية.
فكانت جداريته التي طوع بها بين التلقائية والقصدية الفنية اذ منح المحيط طابع معماريا، ادمج فيه الاشياء المحيطة بالبيئة وخلق نبرة فنية متميزة لا يبتعد فيها طابع التشكيل المعاصر عن ابداعه كرسام وخزاف في ذات الوقت.
اذ تتسم اعماله بذلك الانسجام التجسيمي والقدرة على استيعاب تعبيرات المكان وربطها بشمولية تلك الرموز المتولده استحداثا او المستعاره وبتطابق ايقاعي بين شكل الكتلة الجدارية وقدرتها الاستيعابية على التعبير بايمات روح الطين البدائية والمعاصرة.
فهو اذ يذيب كل تلك الرموز البنائية انما يحاول من خلالها الكشف عن المخزون التعبيري وعن ذاكرة الاشياء المرموزه جماليا فالمكان في اعمال الفنان واسع ومنبسط على جدار الواقع عبر عدد من التوليفات والمفردات الرمزية مراعياً ما تحتويها تلك التشكيلات من قوانين التوافق والايقاع والتنوع بين مفرداتها.
لا تخلو من نظام ووحدة رابطه بين كل هذه عناصرها .فهو اذ قام باظافة التشكيل الحروفي واشكال الابواب والقباب ومفردات اخرى كقيم مضافه تأخذ مداها التقني والفني المشغول برهافة وإحساس اقرب إلى الهندسة المدروسة منها إلى التلقائية مستجمعا الخزين المعرفي والتجربة الشخصية ممزوجا بخيال الفنان ورويته الجمالية ليحدد في النهاية ملامح العمل الفني، بأسلوب رمزي إيحائي يستوعب كل تلك التراكيب المكونه للجداريات قطعه جوار أخرى حيث تختلط الأبعاد لترتقي الى بعد ثالث.
فصفوف المجسمات تتداخل في تخلق سطوح مجسده لرؤية ما ورائية يتقصد الفنان في الحفر في ثناياها مستعينا بلون الطين ذاته بدرجات متباينه غير مبتعدا عنه في اغلب اعماله ، بينما تتداخل الالوان الاخرى في الايحاء ذاته كاللون الفيروزي الشرقي الملامح.
ان الفنان متعلق بمرجعية تلك الرموزالمستمده من جذورالثقافة الرافدينية والإسلامية يطورها بشكل تجريبي جمالي معاصر . ليبدع أشكال خزفية تثري المشهد التشكيلي عبر مساهماته في العديد من المعارض التشكيلية الشخصية والمشتركة في العراق والأردن والكويت وقطر والبحرين والولايات المتحدة الأمريكية وله مقتنيات في العديد من دول العالم وصالات أشهر الفنادق والمتاحف العالمية.