ميثمبن يحيى التمار (رضوان الله عليه)
كان خطيب الشيعةبالكوفة ومتكلّمها.قال لابن عبّاس:سلني ما شئت من تفسير القرآن، فإنّي قرأت تنزيله على أميرالمؤمنين عليهالسلام، وعلّمني تأويله.
وكان ميثم (رض) عبداً لامرأة من بني أسد ، فاشتراه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام منها، وأعتقه، وحجّ في السنة التي استشهد فيها (60 هـ). وكان يكنّى بأبي سالم.
قال له الإمام عليّ عليه السلام:
«إنّك تؤخذ بعدي، فتصلب وتُطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدرمنخراك وفمك دماً فيخضّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، وتُصلب على باب دار عمرو بنحريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وامض حتّى أريك النخلة التيتُصلب على جذعها». فأراه إيّاها، فكان ميثم (رض) يأتيهاويصلّي عندها،ويقول:بوركتِ من نخلة، لكِ خُلقتُ ولي غُذّيتِ،ولميزل يتعاهدها حتّى قُطعت وحتّى عرف الموضع الذي يُصلب فيه.
وكان يلقى عمرو بن حريثفيقول له:إنّي مجاورك، فأحسنجواري،فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعودأو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يقصد بكلامه.
دخل على أمّ سلمة رضوان الله تعالى عليهما،فقالت له: من أنت؟قال:عراقيّ،فسألته عن نسبه، فذكر لها أنه كان مولىالإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام،فقالت: أنتهيثم؟قال:بل أناميثم،فقالت: سبحان الله! والله لربّما سمعت رسولالله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوصي بك علياً في جوف الليل.
فسألها عن الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام،فقالت: هو في حائط له.قال:أخبريه أنّي قد أحببت السلامعليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله، ولا أقدر اليوم على لقائه، وأريدالرجوع.فدعت بطيب فطيّبت لحيته،فقال لها:أمّا أنّها ستخضّببدم،فقالت: من أنبأك هذا؟قال:أنبأني سيّدي.فبكت أم سلمهوقالت له: إنه ليس بسيّدكوحدك، وهو سيّدي وسيّد المسلمين،ثمّ ودّعته.
فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد فأدخلعليه،فقيل: هذا كان من آثر الناس عند عليّ. قال:ويحكم! هذا الأعجميّ؟!قيل له: نعم.قال له عبيد الله:أين ربّك؟قال:بالمرصاد لكلّ ظالم، وأنت أحد الظلمة.قال:إنّك على عجمتك لتبلغ الذي تريد، ماأخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟قال:أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة، وأقربهم منالمطهرة،قال:لنخالفنّه،قال:كيف تخالفه؟ فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّمعن جبرئيل عن الله تعالى. فكيف تخالف هؤلاء؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب عليه أينهو من الكوفة، وأنا أوّل خلق الله ألجم في الإسلام.
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثقفي،فقال ميثم التمّار للمختار:إنّكتُفلتُ وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الذي يقتلنا.
فلمّا دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع البريدبكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، يأمره بالإفراج عنه، وذاك أن أختهكانت زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد، فشفعفأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد، فوافى البريد وقد أخرج ليضربعنقه فأطلق.
أمّا ميثم (رض) فأخرج بعدهليصلب، فجعل ميثم (رض) يحدّث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني أميّة وهو مصلوب علىالخشبة. فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.فقال:ألجموه.فلمّاكان في اليوم الثاني؛ فاضت منخراه وفمه دماً، ولمّا كان في اليوم الثالث، طُعنبحربة، فكبّر، فمات رضوان الله تعالى عليه.
وكان مقتل ميثم التمّار قبل قدوم الإمام الحسين عليه السلام العراقبعشرة أيّام، أي: في اليوم الثاني والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة 60للهجرة.