بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يا من شواهد آياته غنية عن الشرح والبيان، ودلائل توحيده متلوة بكل لسان. صل وسلم على رسولك محمد المؤيد بقواطع الحجج والبرهان، وعلى آله وصحبه الباذلين مهجهم في نصر دينه على سائر الأديان. صلاة وسلاماً دائمين على ممر الأزمان. أما بعد يقول البارئ جل وعلا في محكم تنزيله { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [البقرة : 269] .


وعن نبينا عليه الصلاة والسلام أنّه قال: " ان من البيان لسحرا وقال رحم الله عبداً تكلّم بخيرٍ فغنم، أو سكت فسلم


وقال ابن سيرين: لا شيء أزين على الرجل من الفصاحة والبيان، وهذا ما سناتبعه في الموضوع مع هذا الغلام


يحكى أن بعض الملوك، مر بغلام وهو يسوق حماراً غير منبعث، وقد عنف عليه في السوق، فقال: يا غلام ارفق به فقال الغلام: أيها الملك في الرفق به مضرة عليه، قال: وكيف ذلك؟ قال: يطول طريقه ويشتد جوعه، وفي العنف به إحسان إليه.


قال: وكيف ذلك؟ قال: يخف حمله ويطول أكله فأعجب الملك بكلامه، وقال: قد أمرت لك بألف درهم. فقال: رزق مقدور وواهب مشكور. قال الملك: وقد أمرت بإثبات اسمك في حشمي قال: كفيت مؤونة ورزقت معونة.


فقال له الملك: عظني فإني أراك حكيماً. فقال: أيها الملك إذا استوت بك السلامة فجدد ذكر العطب، وإذا هنأتك العافية، فحدث نفسك بالبلاء، وإذا اطمأن بك الأمن فاستشعر الخوف، وإذا بلغت نهاية العمل فاذكر الموت، وإذا أحببت نفسك فلا تجعلن لها في الإساءة نصيباً.


فأعجب الملك بكلامه، وقال: لولا أنك حديث السن لاستوزرتك. فقال: لن يعدم الفضل من رزق العقل. قال: فهل تصلح لذلك؟ قال: إنما يكون المدح والذم بعد التجربة ولا يعرف الإنسان نفسه حتى يبلوها. فاستوزره فوجده ذا رأي صائب، وفهم ثاقب، ومشورة تقع موقع التوفيق.