حصاد الريح



لا يملك الغرب ترف الاختيار بين النصر والهزيمة في مشروعية العسكريين في العراق وأفغانستان. فالخيار يدور حول هزيمة هنا وهزيمة هناك، والباقي مجرد تفصيلات، وفواصل زمنية.
وسواء سمى الغرب نفسه تحالفاً أو ائتلافاً أو قوة أطلسية أو متعددة الجنسيات، فالهزيمة هي الهزيمة والنهاية هي ذاتها في بغداد وكابول. وإذا كنا قد قرأنا وسمعنا الكثير عن مقدمات الهزيمة في العراق مقارنة بما يجري من تطورات لا تقل أهمية في جبال أفغانستان ووديانها، فقد حان الوقت للغوص قليلاً في التغيرات الأفغانية.
ومع توالي خروج الجنرالات عن صمتهم، بدأنا نتعرف على ملامح الهزائم التي تتشكل على التخوم المتمردة، والرافضة للوجود الأجنبي، خاصة عندما يكون ذلك الوجود مفروضاً بالقوة وهدفه الإذلال والهيمنة والاستيلاء على الثروات والخيرات.
وحينما يكون المتحدث جنرالاً بحجم اللورد غوثري قائد الجيش البريطاني الأسبق، فإن كلامه يؤخذ على محمل الجد أكثر حتى من كلام القائد الحالي الجنرال داناث أو قادة آخرين قرروا أن يتكلموا في لندن أو في واشنطن.
«نحن لسنا في نزهة»، يقول غوثري، مشيراً إلى أربعين ألف جندي من حلف الأطلسي بينهم خمسة آلاف بريطاني. هم ليسوا في نزهة إذن كما يظن بعضهم، وإن «من يقرأ التاريخ ويعرف الأفغان ويرى التضاريس ويتعرف على التداخل ما بين الحدود الأفغانية والباكستانية ويشاهد الطالبان وهم يستعيدون قوتهم، يدرك أن قواتنا الموجودة هناك، مع استمرارنا في الحرب على العراق.. مسألة في منتهى الغباء».
درس في التاريخ والجغرافيا، لعله الأهم، قدمه هذا اللورد العسكري الذي يحسب له حسابه في بريطانيا، ليتوج دروساً أخرى عديدة أظهرت الغرب غبياً أعمى لا يقرأ ولا يفكر، ويعتبر العراقيين والأفغان أوغاداً متخلفين تسهل السيطرة عليهم وسحقهم كما تسحق الصراصير أو الذباب.
مشاكل الغرب لا تنتهي عند هذا الحد، والخيارات المطروحة في العراق وأفغانستان لا تخرج عن نطاق الكارثة، للغرب، أو الهزيمة.
ولعل الخبر الأسوأ المتداول الآن في الأقاليم والمحافظات الأفغانية أنه لا توجد هدنة شتوية هذا العام. فالأفغان حسب التقاليد، يكرسون وقتهم لمقاومة البرد القارس، لكنهم هذه المرة سيزحفون على كابول، ليس بهدف الاستيلاء عليها، وإنما لقطع الطريق التجاري الذي يربطها بجلال أباد وللضغط على أعصاب الغرب للتعجيل بإضعافه ورحيله وسقوط حكومة قرضاي التي تتغطى به. لقد تغير الطالبان وأصبحوا يفكرون الآن بطريقة تختلف عما كانوا عليه عندما طردهم الأميركيون من كابول قبل عشر سنوات. وعدا عن أنهم أخذوا عن القاعدة العمليات الانتحارية ونفذوا «۷۰» منها هذا العام، فقد تبنوا نهجاً إعلامياً متطوراً لتعبئة المقاتلين، مستخدمين لأول مرة أقراص «سي دي» و«دي في دي».
ثم إن الطالبان ليسوا مجرد أشخاص يمكن قتلهم أو اعتقالهم، بل هم تحالف قبلي واسع يتركز خصوصاً في المناطق الحدودية غير المرسمة بين باكستان وأفغانستان. وبكلمات أخرى أكثر صراحة .. فهم الشعب ذاته، وهو ما يجعل التفريق بين المدني والمقاتل أو حتى بين الباكستاني والأفغاني مسألة مستحيلة.
صحيح أن الجنرال اللورد غوثري ختم كلامه بالقول: إنه لا يشكك بتعاطف بلير مع القوات البريطانية ويحترم وعده لهم بإرسال ما يريدونه من دعم، لكنه لم يتردد في التساؤل: «من أين سنأتي بطائرات عمودية أخرى وبجنود جدد مدربين؟ بعصا سحرية؟ إننا نحصد الريح»!.