من يسعف أدباء البصرة ؟؟
جريدة المستقبل العراقي / بغداد / في 5/4/2012
كاظم فنجان الحمامي
الأديب والشاعر البصري الكبير حسين عبد اللطيف، هذا الاسم الكبير اللامع في عالم الفكر والإبداع, صاحب القصائد الجميلة, وصاحب الكلمة الحرة الصادقة المعبرة, صاحب الصمت والوقار, صرعه مرض السكري, ولم يستطع السير بقدمه المهددة بالبتر, لم يطلب مني الكتابة عنه لاستعطاف أحد, ولم يطلب من غيري الذود عنه, فهو شديد الحساسية, واكبر من كل المسميات, ولا يرتجي خيرا من الذين خذلوا قبله السياب وتركوه وحيدا في مشواره الأخير, فرافقه المطر, يشيعه إلى محطات الحسن البصري, خذلوا السعيدي (عطا), والسعيدي (يعرب), واضطهدوا الforaten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?ي (كاظم), وتنكروا لعبد الرزاق حسين. .
أكمل حسين عبد اللطيف عقوبته الشاقة في القرى البعيدة والضواحي النائية من دون أن يتذمر من تنقلاته اليومية المرهقة بين مدارس القصب والبردي في ظلمات الأهوار والمستنقعات الجنوبية, عاش متعففا في البصرة من دراهم راتبه التقاعدي الشحيح من دون أن يتزلف لأحد, لأنه لم يكن من أصحاب الوجوه السبعة. .
تسلح بالصمت والصبر تحت وطأة الانقلابات المتعاقبة, ونكبات الحروب المتوالية, كان شاهدا على الأنهار النازفة من جسد ذات الوشامين, لكنه ظل رافضا للعنف والقتل والإلغاء, ورافضا لحروب الآلهة, ورافضا جنون الطوائف والمذاهب, ورافضا التحزب والتعصب والظلم. .
يرقد اليوم على فراش المرض, في مواجهة جيوش السكري, التي تسللت إلى أطراف قدمه, ومما يزيد الألم في حالة هذا المفكر الصابر, إن المؤسسات الثقافية العراقية لا تريد (على ما يبدو) أن تمد له يد العون, وربما لا تدري بما آلت إليه أحواله الصحية, في حين لاذت منظمات المجتمع المدني بالصمت المطبق وكأن رعاية الأدباء والشعراء لا تعنيها وليست من واجباتها. .
المشكلة ان شاعرنا ينتمي إلى فئة منعزلة من المثقفين, من الذين لا يعرفون كيف تجمع الأموال, ولا يعرفون كيف تدخر الدراهم, ولا يجيدون أساليب (اللغف), ولطالما اعترف السياب في غربته بفشله بجمع المال, فقال:
مازلت احسب يا نقود, أعدكن وأستزيد
مازلت أنقص, يا نقود, بكنّ من مدد اغترابي
مازلت أوقد بالتماعتكن نافذتي وبابي
وا حسرتاه متى أعود إلى العراق
وهل يعود من كان تعوزه النقود ؟
وكيف تدخر النقود ؟
مات السياب في المرافئ البعيد في اليوم الذي قررت فيه (مصلحة الموانئ العراقية) إجبار أسرته على إخلاء داره في المعقل, فحملوا نعشه في طريق يؤدي إلى مقبرة الحسن البصري في يوم ممطر, وعادت أسرته إلى (جيكور) في طريق آخر, فأرسلت مفاتيح الدار الحكومية إلى (المصلحة). .
يرقد اليوم حسين عبد اللطيف, وعطا السعيدي على فراش المرض, غير قادرين على تدبر تكاليف العلاج, ويقبع الأديب الكبير عبد الرزاق حسين في صومعته القديمة في أزقة حي (الخليلية) بالبصرة, غير قادر على تحسين أوضاعه المعيشية البائسة, ويعتكف الأستاذ إحسان وفيق السامرائي ببيته القديم في العباسية, غير قادر على تدبير تكاليف طباعة مخطوطاته الأدبية, في حين يقف العراق اليوم بقوته النفطية العظيمة خارج التغطية. .
في العراق لا يهم أن تكون مفكرا مرموقا, ولا أديبا بارعا حتى تلقى الرعاية والعناية, المهم أولا أن تكون منتميا للكيانات الحزبية المسيطرة على مصادر القوة والسلطة والمال, وليس المهم ما تحمله من عبقرية ومواهب ومهارات وقدرات أدبية أو علمية حتى تنعم بالعيش الرغيد, المهم كيف تستفيد من ذكائك في التسلل الى المناصب العليا والمراتب الرفيعة, وليس المهم أن تكون صادقا في تعاملك مع الناس, مستقيما في سلوكك الاجتماعي, حريصا على مستقبل بلدك, المهم أن تجيد التملق والتزلف, وإلا بماذا تفسرون اختفاء الكاتب (عبد الحسين الغراوي) من شقته الكئيبة في العشار ؟, وكيف غادرنا القاص الكبير (محمود عبد الوهاب) ؟, وبماذا تفسرون الأوضاع المزرية لأدباء البصرة ؟, وبماذا تفسرون هذا الفقر المدقع الذي يطاردهم اليوم, ويضيق عليهم الخناق ؟؟. .
عاش (محمود عبد الوهاب) وحيدا في شقته بقرية (مناوي باشا), لم يجد من يلجأ إليهم في أيامه الأخيرة بعد الثمانين, غير القاص الكبير (محمد خضير), والكاتب الملهم (جاسم العايف), كان في أمس الحاجة إلى من يعتني به في شيخوخته, فاختار بيت (العايف). .
اعتنت به الحاجة (أم وضاح) زوجة (العايف), فوفرت له هذه المرأة البصراوية الأصيلة العناية والرعاية على الرغم من ضعفها وعجزها, مكث عندهم بضعة أيام, ثم غادرهم في رحلته الأخيرة إلى المستشفى التعليمي في الخورة, حيث فارق الحياة على ضفاف شط العرب, تاركا وراءه عصاه التي يتكأ عليها, وقصيدة ختامية, طبعها له الشاعر البصري (كاظم اللايذ), كانت بعنوان (الحب في زمن العافية). .
في البصرة يعيش تجار الخردة والسكراب في أرقى المنتجعات والفلل, ويختفي أدباؤها بالطريقة, التي رحل فيها آخر رجال الموهيكانز, أو يموتون وحدهم ليلتحقوا بقافلة مالك بن الريب. .
يرقد (حسين عبد اللطيف) في بيت مؤجر في حي العباس من ضواحي (الحيانية), وينام (السعيدي عطا) في كوخه القديم قرب مكبات القمامة في (الحيانية) أيضا, بينما يجلس عبد الرزاق حسين على حصيرة البردي في درابين (الخليلية).
فهل صارت (الحيانية) و(الخليلية) هي المنافي الأخيرة لأدباء البصرة ومثقفيها ؟؟, وهل أعلنت البصرة رسميا تخليها عن أدبائها ومفكريها, وأبدت اهتمامها بذوي القبعات البرتقالية من العاملين في شركات الاستثمار النفطي, ومن الباحثين عن أنهار المال في حقول الذهب الأسود ؟؟. .
راح أموت من القهر