وِقفة مع قوله تعالى: "وكان أبوهما صالحاً

مروان بن صالح الصقعبي 25/9/1427
18/10/2006



يبذل كثير من الآباء والأمهات جهوداً كبيرة في تربية أبنائهم وإصلاحهم وجعلهم أفراداً نافعين لدينهم ومجتمعهم.. ويسيطر هذا الهاجس في إصلاح الأبناء على فكر وعقل أغلب الآباء والأمهات إن لم يكونوا كلهم، وهم يتفاوتون بما يبذلونه من أب لآخر، فمن الآباء من يبذل الأمنيات والأماني والأحلام؟! لتربية أبنائه دون أي تطبيق على أرض الواقع.. ومنهم من استرخص الغالي والنفيس وهيّأ جميع الوسائل المادية والتربوية في إصلاح الأبناء، وهم يتفاوتون كذلك في النتائج والمحصلات، وتبقى الثمرة والنتيجة والتوفيق بعلم الله سبحانه وتعالى.

لكن الملاحظ أن كثيراً من الآباء يركن إلى بعض الأسباب المادية الظاهرية، ويغفل عن كثير من الأسباب الخفية غير المباشرة التي قد يكون لها أثر عظيم في صلاح الأبناء مثل الدعاء والكسب الحلال والأمانة وبر الوالدين.. وغيرها.

ومن يتأمل قوله سبحانه وتعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) ويتأمل لطائف المفسرين في هذه الآية ليجد سبباً عظيماً من أسباب "صلاح الأبناء" قد نغفل عنه أو نتغافل عنه. يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: " فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والأخرى بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقرّ عينه بهم. كما جاء في القرآن الكريم ووردت السنة به".

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس حفظاً بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح، وتقدم أنه كان الأب السابع فالله أعلم ( )، وقال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم *. قال في عون المعبود .....(وعليه بقاء أثر صلاح الآباء في الأعقاب) * ، فأثر الصلاح امتد للأبناء حتى الجيل السابع بصلاح أبيهم.

إن إثارة مثل هذا المعنى في نفوس الآباء والأمهات، وبيان أن القرب من الله سبحانه وتعالى له أثر على صلاح الأبناء.. والذرية عموماً قد يكون منبهاً لسبب يغفل عنه كثير من الآباء .. هذا السبب أو الأسلوب التربوي اعتمد في تربيته للأبناء على ما يقدم من الأساليب والوسائل والتضحيات المادية المحسوسة، دون أن ينتبه هذا الأب الكريم إلى ممارسات أو سلوكيات أو ذنوب معينة أو أخلاق سيئة قد تُؤخر، وقد تمنع من تحصيل الثمرة المرجوة من "أساليب البذل التربوي" بل بعض السلف ذهب في هذه الآية إلى معنى أدق وأعمق، وخص هذا الصلاح بخلق كان معروفاً به الأب أو الجد وهو الأمانة. – قال سعيد بن جبير -رحمه الله- عن الأب إنه كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا كنزهما*
إن عزل سلوكياتنا الخاطئة وأخلاقنا السيئة وذنوبنا ومعاصينا حتى لو كانت خفية عن تربية أبنائنا، وعدم استشعار أثر هذه السلوكيات على صلاح أبنائنا فيه نوع من القصور في "مفهوم التكامل التربوي". قد نحرم صلاح الأبناء بسبب ذنب خفي دوامنا عليه أو كسب حرام أصررنا على كسبه أو عقوق للوالدين؛ فصلاح الأبناء وحسن تربيتهم ليس وليد تميز في التلقين والتعليم فقط أو تميز في اختيار المدارس والمحاضن التربوية المناسبة، أو بذل للجهد والمال فقط .. إنما هناك أسباب عبادية عظيمة يقوم بها الأب نفسه، من أهمها: الخوف من الله ومراقبته -سبحانه وتعالى- أو بذل وسع في عمل دعوي أو عمل صالح خفيّ أو بر والدين أو قيام الليل.

والشواهد على امتداد أثر صلاح الآباء للأبناء ومشاهده معروفة سابقاً ولاحقاً، ومما يُذكر في امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه إحياء علوم الدين فيقول: رُوي أن الشافعي -رحمه الله- لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلاناً يغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم ديناً، فقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إياه .. قال أبو سعيد الواعظ: لما قدمت مصر بسنين طلبت منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده، وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل. فقلت: بلغ أثر الخير إليهم.. وظهرت بركته عليهم * .
ومن أجمل من استشعر هذا المعنى سعيد بن المسيب -رحمه الله- فقال: "إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي .." *، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده.



منقول