اللهم صل على محمد و أل محمد...
السلام عليك يا أبا عبد الله و على الأرواح التي حلت بفنائك...
أقتربت نهاية رحلة السبي الطويلة لبنات الرسالة , فيحمل الامام زين العابدين عماته و أخواته إلى المدينة بعد الذل و المهانة و دخول الدواوين و وقوف الأسواق , معرجاً بهم على كربلاء, مجددين العهد بالجسد الشريف , حاملين له الشكاية من جهة , و الرأس الشريف من جهة أخرى , ليجتمع الشملان , شمل الامام بأسرته , و الرأس مع الجسد...
قتل يزيد الحسين .. نعم و لكنه إنما أشعل بإراقة ذلك الدم الطاهر النور إلى عنان السماء , رفع رأسه الشريف على رمح طويل تباهياً و تشفياً .. نعم و لكنه إنما كان مشعل الحق و لم تخفى كراماته خلال هذه الرحلة المريرة لأربعين يوماً..
لنقف قليلاً على كرامات الرأس الشريف خلال هذه الرحلة...
الرأس يرعى الحرم و الأيتام:
روي بأن الرأس الشريف أثناء مسير الركب إلى يزيد توقف متوجهاً إلى ناحية معينة و ما استطاع أحد تحريكه فلما سئل الامام زين العابدين قال : تفقدوا الأطفال , و إذا بهم افتقدوا طفلة ولم يجدوها إلا عندما بحثوا في الاتجاه الذي كان الرأس ينظر إليه.
رأسك أعجب:
فكان رأس الامام يتلو القرأن على رأس الرمح ومن ذلك ما ورد عن زيد بن الأرقم يقول : كنت في غرفة لي فمروا علي بالرأس ( رأس الحسين ( ع ) وهو يقرأ ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في آياتنا عجبا . . . قلت : والله يا بن رسول الله رأسك أعجب وأعجب (1)
الرأس في الدير:
روي خلال المسير إلى الشام مروا بدير فيه راهب ، فأخرجوا الرأس على عادتهم وجعلوه في الرمح وأسندوا الرمح إلى الدير ، فرأى الديراني بالليل نورا ساطعا من ديره إلى السماء ، فأشرف على القوم وقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن أهل الشام ، قال : هذا رأس من هو ؟ قالوا : رأس الحسين بن علي ، قال : بئس القوم أنتم ! والله لو كان لعيسى ولد لأدخلناه أحداقنا ! ثم قال : يا قوم ! عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من أبي وأبي من أبيه ، فهل لكم أن تعطوني هذا الرأس ليكون عندي الليلة وأعطيكم هذه العشرة آلاف دينار ؟ قالوا : بلى ، فأحدر إليهم الدنانير ، فجاءوا بالنقاد ، ووزنت الدنانير ونقدت ، ثم جعلت في جراب وختم عليه ، ثم أدخل الصندوق ، وشالوا عليه الرأس ، فغسله الديراني ووضعه علي فخذه وجعل يبكي الليل كله عليه ، فلما أن أسفر عليه الصبح قال : يا رأس ! لا أملك إلا نفسي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك رسول الله ، فأسلم النصراني وصار مولى للحسين ، ثم أحدر الرأس إليهم فأعادوه إلى الصندوق ورحلوا ، فلما قربوا من دمشق قالوا : نحب أن نقسم تلك الدنانير ، لأن يزيد إن رآها أخذها منا ، ففتحوا الصندوق وأخرجوا الجراب بختمه وفتحوه ، فإذا الدنانير كلها قد تحولت خزفا ، وإذا على جانب من الجانبين من السكة مكتوب ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) وعلى الجانب الآخر ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) ، قالوا : قد افتضحنا والله ! ثم رموها في بردي نهر لهم ، فمنهم من ‹ صفحة 693 › تاب من ذلك الفعل لما رأى ، ومنهم من بقي على إصراره (2)
و من الرأس يسطع النور:
لما حمل الرأس الشريف إلى ابن زياد مع خولي ابن يزيد الأصبحي ، انتهى به إلى القصر وجده مغلقا ، فرجع به إلى منزله فوضعه تحت إجانة وقال لامرأته نوار بنت مالك : جئتك بعز الدهر ، فقالت : وما هو ؟ فقال : برأس الحسين . فقالت : جاء الناس بالذهب والفضة ، وجئت أنت برأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله ؟ والله لا يجمعني وإياك فراش أبدا ، ثم نهضت عنه من الفراش ، واستدعى بامرأة له أخرى من بني أسد فنامت عنده . قالت المرأة الثانية الأسدية : والله ما زلت أرى النور ساطعا من تلك الإجانة إلى السماء ، وطيور بيضاء ترفرف حولها . فلما أصبح غدا به إلى ابن زياد فأحضره بين يديه (3)
و تشرفت البقاع بحلول الرأس فيها :
اختلف المؤرخون في الموضع الذي دفن فيه الرأس فمنهم من قال :
·دفن في النجف عند والده أمير المؤمنين استنادا إلى أخبار وردت عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) . ففي رواية أبي فرج السندي ، قال : كنت مع أبي عبد الله جعفر بن محمد حين قدم إلى الحيرة ، فقال ليلة : أسرجوا لي البغل ، فركب وأنا معه حتى انتهينا إلى الظهر ، فنزل فصلى ركعتين ، ثم تنحى فصلى ركعتين . فقلت : جعلت فداك ، إني رأيتك صليت في ثلاث مواضع ! فقال : أما الأول فموضع قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والثاني موضع رأس الحسين والثالث موضع منبر القائم (4)
·دفن في المدينة عند أمه أو أخيه بعد أن بعث به يزيد إلى واليه على المدينة.
·دفن في دمشق بعد أن وجد في خزانة يزيد فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس.
·دفن في عسقلان بعد ان داروا به الأمصار.
·دفن في مصر حيث أخذه أحد الوزراء المصريين فدفنه و له جامع مشهور في القاهرة .
·دفن مع الجسم الشريف في كربلاء رده الامام السجاد إلى كربلاء في الأربعين.
و هذا الاختلاف في الأخبار له عدة دلائل:
-أن الرأس الشريف لم يرسل ليزيد فقط في الشام بل داروا به الأمصار فأي اسلام هذا الذي يفتخر بقتل ريحانة الرسول و أي رعاية لحرمة هادي الأمة.
-على الرغم من محاولة يزيد طمس الأنوار الحسينية نجد أن أهل كل مصر من الأمصار يتشرفون بالقول بأن رأس الحسين مدفون لديهم بل أقيمت عليه المساجد و الجوامع , ولو تساءلنا أين هو قبر يزيد فلن نجد جواباً!!!
و يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون
المصادر:
(1) مقتل الحسين للسيد المقرم ص 332
(2) شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج 33 - ص 692 – 697
(3) المصدر السابق.
(4) بحار الأنوار 100 : 246 ح 34