بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل اللسان عنوان عقل الانسان وآلة تظهر سر الجنان بفصيح العبارة وصريح البيان وصلاته وسلامه على سيدنا محمد المجتي من سرة عدنان المبعوث بجوامع الكلم الشاملة لأنواع البيان وعلى آله وصحبه فروع شجرته الباسقة الأفنان وفراقد سماء رسالته أعيان السادات وسادات الأعيان صلاة وسلاماً دائمين ما دام طرف القلم مقاداً بعنان البنان وبعد قال بعض البلغاء الفصاحة أوثق شاهد عدل على اجتماع شمل الفضل وأقوى دليل على استكمال الذكاء والنبل لم تزل تشيد لأهلها في ربوع المجد فخراً وترفع لهم في مراتب العلوم ذكراً وربما سودت غير مسود ورفعت من الحضيض الأوهد إلى محل النسر والفرقد
قال لقمان لابنه لا يتم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال يكون الكبر منه مأموناً والرشد فيه مأمولاً وفضل ما لديه مبذولاً لا يصيب من الدنيا إلا القوت التواضع أحب إليه من الشرف والذل أحب إليه من العز لا يسأم من طلب المعالي ولا يتبرم بطلب الحوائج إليه يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثيره من نفسه وأن يرى جميع أهل الدنيا خيراً منه وإنه شراً منهم وهذه الخصلة تشيد مجده وتكبت ضده وتعلي قدره وتطيب في العالمين ذكره
ولذلك كان يقول الحسن رحمه الله : عند انقضاء مجلسه وختم موعظته: يا لها من موعظة لو صادفت من القلوب حياة. رحم الله عبدا اعطى قوة فعمل بها في طاعة الله او قصر به ضعف فكف عن محارم الله
قال الجوهري: أحسنُ الكلام نِظاماً ما ثقبته يَد الفكرة، ونظمته الفِطْنة، ووُصِل جَوْهَرُ معانيه في سُموط ألفاظه، فاحتملته نحورُ الرواة.
وقال العطار: أطيبُ الكلامِ ما عُجِنَ عَنْبَر ألفاظه بمسْك مَعَانيه، ففاح نسيمُ نَشَقِه، وسطعت رائحة عبَقه، فتعلّقت به الرُوَاة، وتعطَرت به السَّراة.
وقال الصائغ: خيرُ الكلام ما أَحْمَيْتَه بكِير الفِكر، وسبَكْتَه بمشَاعِل النّظر، وخلَّصته من خَبَث الإطناب، فبرز بروزَ الإبريز، في معنى وَجيز.
من وصايا الحكماء
لقي رجل حكيماً فقال: كيف تَرَى الدهر؟ قال: يُخْلِقُ الأبدان، ويجدِّدُ الآمال، ويقرِّبُ المنيّة، ويباعِدُ الأمْنِيّة. قال: فما حالُ أهله؟ قال: من ظفر به منهم تعب، ومن فاته نَصِب. قال: فما الغنى عنه؟ قال: قَطعُ الرجاء منه، قال: فأيّ الأصحاب أبرّ وأَوْفى؟ قال: العمل الصالح والتقوى. قال: أيهم أضرّ وأَرْدَى؟ قال: النفس والهوى، قال فأين المخرج؟ قال: سلوكُ المَنهَج. قال: وما هو؟ قال: بَذْل المجهود، وترك الراحة، ومداومة الفكرة. قال: أَوْصني. قال: قد فعلت.
وقال بعض الملوك لحكيم من حكمائه: عِظْني بعِظَة تنفي عني الْخُيَلاء، وتزهّدني في الدنيا. قال: فكَر في خَلْقك، واذْكُر مبدأك ومصيرك، فإذا فعلت ذلك صَغُرَتْ عندك نفسُك، وعَظُم بصغرها عندك عَقْلُك؛ فإن العقلَ أنفعهُما لك عِظَماً، والنفس أَزْينهُما لك صِغَراً؛ قال الملك: فإن كان شيء يُعِينُ على الأخلاق المحمودة فصفتك هذه. قال: صفتي دليل، وفَهْمُك محجَّة، والعلم عليّة، والعمل مَطيّة، والإخلاص زمامها، فخُذْ لعقلك بما يزيّنه من العلم، وللعلم بما يَصُونُه من العمل، وللعمل بما يحقّقه من الإخلاص، وأنت أنت! قال: صدقت.