طبائع الاستعلاء ومنغصات الاستدعاء


كاظم فنجان الحمامي

منذ أيام كتبت مقالة صريحة بعنوان (المفاضلة المينائية بين زيد وعمر), مستفيدا من هامش حرية التعبير الذي منحته لنا مراكز السلطة الرابعة, فسلطت في مقالتي الأضواء على غياب (التوصيف الوظيفي), ورحيله من تركيبة معظم المؤسسات الحكومية, وكيف تسبب غيابه بتصدعسقوف هياكلها التنظيميةوانهيارها, فالوصف الوظيفي هو الركن المتين, الذي ينبغي أن نستند عليه في تحديد القيمة النسبية للوظائف داخل مؤسساتنا, ونستدل من خلاله على المسارات الصحيحة في خارطة المواصفات الوظيفية القائمة على المعايير العادلة, وصولا إلى تشخيص مواصفات شاغل الوظيفة, وتحديد مستواه التعليمي, ومعايير تأهيله المهني والإداري, ومجالات خبرته ومدتها, ومهاراته المطلوبة, وسماته الشخصية, وصفاته الاجتماعية, ومن ثم معرفة حدود مسئولياته, وسلطاته الوظيفية, وواجباته الأساسية, ورسم ملامح البيئة الإدارية التي يتعين عليه العمل فيها, مع وضع تصور كامل لمؤهلات مدراء الشركات, ومؤهلات مدراء أقسامها وشعبها وتفرعاتها الأخرى, فالتوصيف الوظيفي أداة عادلة جدا يفترض أن تستعين بها الوزارات في تقييم أداء تشكيلاتها الوزارية, من دون الانحياز إلى طائفة معينة أو فئة محددة, ومن دون التحيز إلى العنصر أو اللون أو الدين أو السن أو الجنس, واخترت مثالا حيا من تشكيلات إحدى الوزارات, وطلبت من مجلس إدارة ذلك التشكيل وجوب الاستناد على قاعدة التوصيف النوعي الوظيفي, وبخاصة حين يتعلق الأمر باختيار قادة المناصب الإدارية الرفيعة, لان هذه القاعدة هي السبيل الأسلم لمعرفة مهارات الناس, والانتفاع بها, فإذا توفرت في المرشح الأهلية العلمية والاستقامة والإتقان والخبرة, فهو الأنسب ولا مجال للتردد, بصرف النظر عن لونه وعرقه وطائفته وميوله الحزبية, أما إذا كان المرشح مؤهلا من وجهة نظر واسطته فقط, فمثله لا يصلح لملء الشاغر, لأن المرء عدو ما يجهل, بصرف النظر عن توفر حسن النية, وقد تسبب أمثال هؤلاء في تردي الأداء, وفقدان تكافؤ الفرص بين الموظفين الآخرين, وتسببوا في اضمحلال التنافس الشريف, وتسببوا أيضا في هجرة العقول والأدمغة, وسمحوا بتزايد نفوذ الوصوليين والانتهازيين والمرائين, والتفافهم حول المرشح الدخيل على النظام الإداري, واستغلاله وتضليله.
وكان من المتوقع أن تعترف الجهة المعنية بأخطائها, وتسارع إلى تصحيح المخالفات الإدارية إن وجدت, ولم يطرأ على بالي أبدا أنها ستمارس صلاحياتها المفتوحة في مضايقتي ومحاربتي, وأنها ستستنفر قوتها كلها في إصدار قرارات ارتجالية واستفزازية عاجلة, وتستدعيني للتحقيق الفوري.
استدعاء تعسفي يترتب عليه مغادرة بيتي, وقطع صيامي في هذا الشهر الفضيل, ويحملني منغصات الحر الشديد, ومتاعب السفر في الطرق المحفوفة بمخاطر الإرهاب والمتفجرات التي نشطت هذه الأيام.
قرارات هاتفية بالاستدعاء الفوري العاجل للتحقيق معي, والنيل مني, والانتقاص من قدري وكرامتي, في هذه الأحوال الجوية القاسية, والظروف الأمنية غير المستقرة, وكأنما الأمر لا يحتمل التأجيل, ولا يتطلب التعطيل. فالمطلوب مثولي مذنبا أمام أنظار القبيلة, لكي أتلقى العقاب المتوقع على فعلتي (النكراء), وجرأتي (الرعناء), وتصرفاتي (الحمقاء) ؟؟.

وقفة:
قال لي زميلي: لا تكتب تتعب.
وقال آخر: اسكت يا بسكت.
لكنني اخترت السير مرفوع الرأس وسط الزحام معبرا عن حريتي ووطنيتي, ومتمسكا بديني وعروبتي, وأن أقول الحق ولو كان مرا, وأن لا أخاف في الله لومة لائم.


البصرة 27/8/2010