شيخ لكنه لم يبلغ الستين من عمره اشتعل رأسه شيبا .... وعمره ما تجاوز الأربعين .. عيناه تبددت من غبار الجير المتطاير من لوحة الكتابة الواسعة.. ركبتاه هزلت من الوقوف العنيد وصقيع الحجرات الباردة المظلمة التي يسكنها بقلبه الواسع الحامل لهمّ الوطن وآمال المجتمع البليد الذي لا يري فيه سوى صورة للهزالة للضعف ....
أنفه لم يعد يشم به إلا رائحة الحبر المعبق... و رائحة الكتب حاملا في أنفه نظاراته الثقيلة القديمة يداه جفتا و تيبستا ولم تعد قادرة إلا على حمل الطبشور... لفك الكسور .... ومعاني السطور
كل يوم يري أبنائه(طلابهُ) يزدادون حلما و زهوا وفكرا ولا يزيد هو سوي غبنا وإرهاقا......
الصورة التي يحاكم بها المعلم بالمقاهي والأمن والمكاتب صورة رذيلة حقا رغم زهده في الدنيا الإجباري وأمله اليائس في ورقة بيضاء عليها تشجيع من المسؤول القريب البعيد...
و لايكاد يجد في الطعام المتنوع في هذه الدنيا ما يعجبه .. وكل ما يتذوقه يجد بمرارته أقوي من أي رغبة أخري لما يسببه له من آلام في المعدة و القولون لشدة تأزمه و كبته المتناهي
فهو الإنسان الوحيد الذي لا يضحك كثيرا ...لا يرفث ... لا يشاكس ...
وهو الموظف الوحيد الذي يمنع عليه حتي أنواع كثييرة من السلوكات كما تهوي نفسهُ ...فهو المقيد دوما بقوانين المجتمع... المدرسة... ثم الوظيفة ولاحرج في ذالك وهو الإنسان الرمز حتي وإن صادفته حالة السعال أو الشهيق فإنه ينزوي كاتما نفسه بزاوية القسم كي لا يراه التلاميذ هو في حالته تلك كي لا يجد فيه التلميذ ولا معني واحد للضعف أو الإهنزاز
ـ و يبتسم لهم في حزن.. ولا يتهم ... ولا يتفوه إلا بالكلام الطيب
ـ رغم غضبه ..... البركان الجاثم في قلبه... يراقب نظرته رغم التيه الذي يحوله نظره إلى الأفق علّه يري الشمس صافية ولو مرة
يسكن في كهف حقير أو قد لا يسكن أصلا ........
لكن تراه يحدث تلاميذه عن السكن الصحي ....وحماية البئية و الطرق الصحية في النوم والأكل والعيشُ في هذه الدنيا التي لا يملك منها سوي تهما ومطاردة حتي من أبناء الشارع الذين يقذفونه بالحجارة إن سمحت لهم الظروف لأنه لا يعني لهم سوى صورة قديمة مضحكة تفنن في نسجها أبائهم الجهلة.............
قُرئت هذه الكلما ت بمناسبة عيد المعلم بالجزائر
بقلم أشجان