الجامعة في غيبوبة سريرية
وكالة أنباء المستقبل العراقية للصحافة والنشر (ومع)
كاظم فنجان الحمامي
كنا نتأمل أن تجمعنا الجامعة في مكان ما من هذا الوطن العربي الفسيح, المتمدد على خطوط الطول والعرض بين قارتي آسيا وأفريقيا من (طنجة) إلى (الفاو), ومن (زاخو) إلى (دار فور), ومن (الحُدَيدَة) إلى (واحة الجغبوب), وكنا في سبعينات القرن الماضي نتغنى بقصيدة الشاعر الكبير (فخري البارودي), ونرددها في احتفالاتنا الوطنية على أنغام الموسيقار (محمد فليفل):
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
وبعد مرور نصف قرن على أحلامنا الوحدوية, التي لم ولن تتحقق, صرنا نقرأ في شيخوختنا قصيدة أخرى محبطة, ونطلق الحسرات والزفرات على أطلال الوطن الكبير, الذي مزقته خناجر الأطماع الخارجية, ودمرته نزوات الحكومات العربية المتخلفة, ونهبت ثرواته مؤسساتها الفاسدة, فتعالت صيحاتنا بهذه الأبيات:
لا نجد نجدي ولا تطوان تطوان
من قال إن بلاد العرب أوطاني
أنا الغريب وأسعى في مناكبها
لا الشام شامي ولا بغدان بغداني
لم تكن الجامعة بالمستوى الذي يؤهلها لتحقيق الحد الأدنى من المساعي الرامية لجمع هذا الشمل المبعثر, ودرء الصدع, وتقريب وجهات النظر, والانكى من ذلك أنها كانت تقف موقف المتفرج في الأزمات الثقيلة التي مرت بنا, ومن دون أن تحرك ساكن, واقتصر دورها بإطلاق البيانات البليدة, واتخاذ بعض المواقف السياسية المتأرجحة بين الحق والباطل, وصرنا, بعد تعاقب الويلات وتكاثر النكبات, عبارة عن امة هزيلة مفككة متناحرة, تركت دينها جانبا, وتخبطت في متاهات الطائفية المقيتة, وضاعت في وديان الولاءات القبلية, وغرقت في مستنقعات الانتماءات الحزبية, حتى وصل بنا الحال في زمن التردي إلى ترقب قيام سفن وفرقاطات أسطول حلف الناتو بإنقاذ الشعب الليبي من بطش السفاح المجنون, ونلقي باللوم على حاملات الطائرات الأمريكية بسبب تلكؤها في فرض الحضر الجوي, فلا الجامعة العربية قادرة على ردع هذا الجزار المخبول, ولا منظمة المؤتمر الإسلامي بقادرة على مد يد العون لانتشال المدن الليبية من المحارق والمجازر والأمراض المتوقعة, فالجامعة تغط في نوم عميق, ولا قدرة لها على حسم الأمر, أما منظمة المؤتمر الإسلامي فهي عاجزة تماما, ولا دخل لها في الوضع الليبي المتأزم, ولا شأن لها في الأوضاع اليمنية المتوترة, ولا البحرينية, ولا العراقية.
لقد تركت الجامعة العربية فراغا كبيرا, وسجلت غيابا ملحوظا, حتى صارت بعض الدول العربية تستنجد في السر والعلن بالقوات الأجنبية للتدخل في شؤونها, وتستدعيها لحماية حدودها وسيادتها, وأصبحت بعض الدول العربية تتباهى بالقواعد الأمريكية الموجودة على أرضها, وتتفاخر بمرافئها الكبيرة, التي تأوي الأساطيل البريطانية والأمريكية الضخمة, وظهر ضعف الجامعة جليا في حرب الخليج الثالثة, والتدخل الخارجي في المنطقة, وفي الحرب على العراق تحت ذريعة أسلحة التدمير الشامل, فكانت الحرب على العراق آخر المسامير التي دُقت في نعش الجامعة العربية, التي فشلت في تحقيق أهدافها التي نشأت من أجلها, وحددها ميثاقها.
فحتى متى تبقى الجامعة غير قادرة على جمعنا وتوحيدنا وحمايتنا ؟. وهل يعزى فشلها إلى نشأتها الأولى بإرادة أجنبية لا تنتمي إلى آمالنا وطموحاتنا ؟. أم يعزى إلى تعاملها معنا بالأساليب الملتوية, وخداعنا بالأكاذيب والخطب والتصريحات الفارغة ؟؟. أم يعزى إلى رجعية رؤسائها, وتخلفهم عن ركب التطور الفكري والثقافي والمهني الذي شمل الوطن العربي كله ؟. أم أن غيبوبتها تعزى إلى عجز الحكومات العربية عن إدراك رغباتنا الوطنية الصادقة في التصدي لقضايانا الجوهرية ؟؟, أم أن ضعفها يعزى إلى عجز حكوماتنا عن إدراك رفضنا المطلق في أن نكون لعبة بيد القوى الخارجية ؟؟.
لا نريد جوابا الآن, لكننا في أمس الحاجة اليوم إلى استنفار الطاقات العربية كلها, وتوحيدها للوقوف مع الشعب الليبي في محنته وكربته العظيمة, والوقوف مع أهلنا في مصراتا وبن غازي وبن جواد وسرت والزاوية ورأس لانوف, والمدن الأخرى التي سقط فيها آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين الأبرياء في معارك واشتباكات غير متكافئة, وغير عادلة, في الوقت الذي تقف فيه الأنظمة العربية موقف المتفرج, بينما يواصل السفاح ارتكاب مجازره, ويواصل ارتكاب حماقاته وهواياته الإجرامية على الأرض الليبية, شبر شبر , زنقة زنقة, بيت بيت, دار دار, فيعيث في الأرض فسادا بطغيانه وتجبره. من دون أن تحاسبه الجامعة المفككة, ومن دون أن يردعه أحد . .