مكانة المرأة في الإسلام ليست محل شك عند من له معرفة بنصوص الشريعة وأحكامها ، ولكن ربما طرحناها بأساليب عاطفية تعوّم فيها النصوص ، وكأنَّنا قد استسلمنا لحجج دامغة واعترفنا بدعاوى صادقة ، بينما الواقع الشرعي العلمي والواقع البشري الاجتماعي يثبت أنَّنا الأصح والأصوب الأصدق والأخلص لحقوق المرأة ومعرفة مكانتها ..
ولنبدأ بالواقع الشرعي والانطلاق منه في بيان مكانة المرأة في الإسلام ..






تتضح مكانة المرأة في اسلام بذكر قواعد توضح ذلك وتبيِّنه ، من أهمها ما يلي :
القاعدة الأولى : أنَّ المرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء ، لا فرق بينهما في ذلك بأي حال ؛ وهذا واضح في الكتاب والسنة ، و مما يدل على ذلك في الكتاب قول الله تعالى <IMG> يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء :1] ، وقوله سبحانه : ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ) ، ومما يدل على ذلك من السنة ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنَّما النساء شقائق الرجال )) أخرجه أبو داود والترمذي ؛ فالمرأة والرجل سواء في معنى الإنسانية : ( بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) في قوله سبحانه وتعالى: ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران:195] ، وهما سواء في معيار الكرامة : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات:13] ، وهما سواء في عموم الدِّين والتشريع : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [النحل:97] .




القاعدة الثانية : انَّ أحكام الإسلام المتعلقة بالذكر والأنثى تنطلق من مبدأ العدل ، كبقية أحكام الشريعة الإسلامية ؛ فهي ليست مبنية على ما يعرف بالمساواة كما يروِّج الآخرون ، لأنَّ المساواة في غير مكانها ظلم يُرفع ، وليس مزية تُطلب . وفي ضوء هذا المبدأ يمكن لكل باحث عن الحقيقة أن يدرك عظمة التشريع الإسلامي في كلِّ أحكامه ، ومنها الأحكام المتعلقة بالمرأة .



ومبدأ العدل يعني : المساواة في ما تجب فيه المساواة ، والتفريق فيما يجب فيه التفريق ؛ مراعاةً للاختلاف في حال وجوده ، ومراعاةً للفروق التي لا تنكر بين كلٍّ من الرجل والمرأة . فلا يطالب الرجل بما ليس من شأنه كالحمل والولادة ، ولا بما لا يحسنه كالرضاعة ورعاية الأبناء ؛ ولا تطالب المرأة بما ليس من شأنها كصلاة الجماعة ، والنفقة على الأولاد مع قدرة الزوج مثلا ، ولا بما لم تهيأ له كالقتال في الحرب ، والقيام بالأعمال الشاقة في طلب الرزق مثلا .







وتوضيحاً لهذا المبدأ أقول : مما لا شك فيه أنَّ المرأة ليست كالرجل في كل شيء ، وأنَّ الرجل ليس كالمرأة في كل شيء . فالمرأة تختلف عن الرجل ، في تركيبها الجسدي ، والنفسي ، وفي الوظائف العضوية أيضا ، فالمرأة تحمل وتلد وترضع ، ولذلك كانت خِلْقتها مهيأة لهذه الوظائف بخلق الرحم والثديين مثلا ، وتعطف ما لا يعطف الرجل ، وتميل إلى حبِّ الزينة والتزيّن ، وهذا التركيب العضوي والنفسي ، هيأها الله به ، لِحِكَم منها تحقيق وظائف خاصة بها ، في علاقتها العاطفية بالزوج وما يترتب عليه من بقاء الجنس البشري ، وفي علاقتها العاطفية بالذرية ، وما يترتب عليه من العناية بالولد حملاً و رضاعة ورعاية ؛ وهذه الفروق بدهية في جنس بنات حواء ، من العرب والعجم والمسلمين وغير المسلمين ، وقد نصّ الله عز وجل على هذه الحقيقة في قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : ( وليس الذكر كالأنثى ) ؛ ولكنّ العلاقة بين وظيفة الجنسين التكامل لا التنافس ، وهذا ما أثبته علمياً د.إلكسس كاريل في كتابه ( الإنسان ذلك المجهول ) وبيّن أنَّ من ظلم المرأة محاولة - مدعي حريتها - التغرير بها للمطالبة بحقوق ليست لها ، وتكليفها بواجبات ليست عليها .







القاعدة الثالثة : أنَّ الإسلام أكرم المرأة بتأكيد براءتها من التهم الموجهة إليها من رجال الديانات المحرّفة ، وكشف زيف ادِّعاءاتهم . ويدل لذلك جميع النصوص القرآنية التي تبيِّن أن الخطيئة لم تقع من حواء فقط - كما يدّعي محرفو الكتاب المقدس – بل جاءت تؤكِّد أنَّ الشيطان - لعنه الله - أزلَّ آدم صلى الله عليه وسلم وزوجه حواء جميعاً ، كما في قوله تعالى : ( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) [البقرة :36] ، وقوله : ) فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما ) [الأعراف :20] ؛ بل ورد ذكر آدم صلى الله عليه وسلم وحده في سياق آخر لقصة الغواية ، في قوله سبحانه : ( وعصى آدم ربّه فغوى ) [طه :121] وقوله قبل ذلك : ) فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (، وهنا لفتة لطيفة ، وهي أن الله - سبحانه وتعالى - لم يقل فتشقيا ؛ وقد ذكر العلماء رحمهم الله لذلك حِكماً منها : أنَّ الرجل قيِّم المرأة فشقاؤه يتضمن شقاءها ، كما أنَّ سعادته تتضمن سعادتها ، ومنها : أنَّ الخروج من الجنة سيؤدي به إلى الشقاء في طلب الرزق وإصلاح المعاش ، وهذه – من حيث الأصل - وظيفة الرجل دون المرأة .









بل أبطل هذا التصور الكنسي المحرّف من أساسه فنفى مسؤولية المرأة والرجل عن ما ليس من كسبهم ووزرهم ، في مثل قوله سبحانه : ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) وقوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .




القاعدة الرابعة : أنَّ الإسلام أكرم المرأة بإلغاء التصرفات الاجتماعية الظالمة وتجريمها ، وبيّن حقوق المرأة المهضومة في المجتمع الجاهلي . ومما يؤكِّد ذلك جميعُ النصوص الواردة في تجريم وأد البنات ، مثل قوله تعالى : ( وإذا الموؤدة سئلت ، بأي ذنب قتلت ) فأي أسلوب رحيم يضفي على التجريم نوعاً من الإنكار المثير للعاطفة السوية ، فيكشف عمق قسوة الرجل الجاهلي وشدّة ظلمه لصغيرة بريئة لا ذنب لها . وهكذا بقية النصوص التي تبطل التصرفات الظالمة من مثل قول الله تعالى : ( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) .









القاعدة الخامسة : البيان العملي التطبيقي ، لِعِظَم شأن المرأة ، ووجوب إعادة الاعتبار الكامل لها أمَّا وأختاً وزوجاً وبنتاً ، نسباً ، ومصاهرةً ، بل ورضاعة ، مهما كانت مستضعفة في نظر المجتمع ، وذلك بتأكيد كرامتها بالنصوص الشرعية ، والأحكام التشريعية . ويدل لهذا جميع النصوص الواردة في بيان حق الأم ، وحق الزوجة ، وحقوق البنات ، وغيرهن من النساء المتصلات بنسب أو مصاهرة أو رضاع ، بل وبيان حرمة عموم نساء المؤمنين . ومن هذه النصوص ، قول الله عز وجل في عظم شأن الأم : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها ) ، ويكفينا القصة المعروفة التي يحفظها الأطفال عندنا : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال (( ثم أمك )) قال : ثم من ؟ قال (( ثم أمك )) قال : ثم من ؟ قال (( ثم أبوك )) ؛ وهكذا النصوص الواردة في فضل البنات ورعايتهن ، وفي الحث على الإحسان للزوجة والتركيز على الجوانب الإيجابية في حسن العشرة ، وغير ذلك مما تكفي الإشارة إليه . وهذا موضوع واسع متشعِّب ، حتى إنَّ العلامة د. عبد الكريم زيدان بيّنه في كتاب من تسع مجلدات ، سمّاه ( المفصّل في أحكام المرأة ) ، فأيّ عناية أوسع من هذه العناية ، وأيّ اهتمام أعظم من هذا الاهتمام ، وأيّ تكريم أشمل من هذا التكريم ؟!