جاء المدرب البرازيلي المولد والجنسي البرتغالي الاصل جورفان فييرا من غياهب النسيان بعد ان كان مجرد ذكرى سابقة يعود تألقها على الساحة العربية الى اكثر من عقدين من الزمن عندما كان مساعدا لمواطنه فاريا وقادا المغرب في كأس العالم التي جرت في المكسيك عام 1986 وها هو قد عاود الظهور صيف العام الحالي بعد ان دخل مغامرة قيادة المنتخب العراقي في البطولة الآسيوية الاخيرة التي جرت في كل من فيتنام وتايلند واندونيسيا وماليزيا فسارت الامور كما اشتهى العجوز الذي يتم بعد ايام قليلة عامه التاسع والخمسين ليتوج بطلا للكأس الآسيوية لأول مرة في تاريخه وأول مرة في تاريخ العراق..
الرجل يرفض اعتبار توليه مهمة تدريب ابناء الرافدين مغامرة بالرغم من المعاناة العراقية التي فرضت على كرة القدم الهجرة إلى الجوار للعب أو التدريب أوالتحضير .. ويقول فييرا ان تلك المعاناة اضحت دافعا للمنتخب بدلا من أن ترخي بآثارها السلبية على الفريق كما توقع الكثيرون..عموما صدق الرجل ونال المنتخب العراقي الكأس ولكنه شخصيا خرج من المولد بلا حمص فكل ما فعله لم يشفع له بإيجاد فريق أو منتخب يقوده ...
المثير في قصة فييرا مع العراق انه عدل عن قرار سابق اتخذه بعدم الاستمرار الا ان خطة تكتيكية رسمها رئيس الاتحاد العراقي حسين سعيد أبعدته عن مواصلة عمله مع أسود الرافدين على حد تعبير المدرب ..
«استاد الدوحة» التقت فييرا خلال زيارة سرية قام بها الى نادي الغرافة لم يُعرف مغزاها ..
يقال بأن قبولك لتدريب العراق كان مغامرة كنت محظوظا بنتائجها...
لم أرها مغامرة بقدر ما نظرت اليها كتحدي، وتاريخي الكروي يثبت أني من عشاق التحدي .. اما بالنسبة للحظ فلا أستطيع ان انفي وجوده لكني ادرك أنه لا يأتي الا للمجتهد، فالسماء لا تمطر ذهبا ..
لكن وضع العراق والصعوبات التي تواجهها الكرة العراقية تسبب نفورا لعديد المدربين الباحثين عن إنجازات لعلها لا تصلح الا للمغامرين؟
قد يكون ما تقوله صحيحا ولكني نظرت للأمر من وجهة أخرى، حيث امكانية توجيه تلك الصعوبات والضغوطات إلى حافز اكثر منها كعائق، ففي اللحظة التي قبلت بها تولي تدريب العراق في ظل تلك الظروف الصعبة التي ذكرتها كنت قد استندت على الرغبة الجامحة للتحدي التي كانت تقدح من عيون اللاعبين أولا، ناهيك عن ان المنتخب العراقي كان الرهان الأخير على توحيد الشعب العراقي بعد ان فشلت كل الطرق الاخرى .
كل ذلك لا يخفي أن ثمة مغامرة في الأمر سيما وان المدة الزمنية التي توليت بها مهامك التدريبية كانت قصيرة جدا ولم تتجاوز الخمسين يوما قبل بدء البطولة الآسيوية؟
يبدو انك مصر على
اعتبار الامر مغامرة .. عموما لا تنسى ان لي معرفة كبيرة بالكرة العربية فقد عملت من قبل هنا في قطر في العام 1979 ثم في الكويت وفي السعودية وعمان وفي المغرب، وصنعت مع بعض منتخبات تلك البلدان أمجادا كما في المغرب عندما كنت اعمل مساعدا لفاريا سواء مع المنتخب المغربي او فريق الجيش الملكي.. هذه السنوات منحتني خبرة معرفة باللاعب العربي وبعقليته، واقرب التواجدات العربية كانت في السعودية حيث عملت مدربا لفريق الطائي في الموسم قبل الماضي وصعدت به إلى مصاف أندية الدرجة الممتازة ثم استقلت..
لماذا استقلت؟
اختلفت مع مجلس الادارة بعد ان بدأت التدخلات المباشرة في عملي ومن رئيس النادي تحديدا..
ألم يكن هناك اي مأرب شخصي من قبولك تدريب المنتخب العراقي؟
قد يكون المأرب الشخصي الوحيد هو رغبتي في التواجد في النهائيات الآسيوية، وهو الحدث الوحيد في العالمالذي لم اشهده، فقد تواجدت في كأس العالم وفي كأس اوروبا والبطولات الأمريكية والافريقية وغيرها ..
لكنك كسبت ولم تكن لتخسر شيئا لو خرج العراق من البطولة الآسيوية مبكرا، اي ان الامر كان بمثابة تلميع لصورتك الغائبة منذ أكثر من عقد ونصف عن المنطقة العربية..
لست بحاجة الى تلميع صورتي، فلي تاريخ اعتبره جيدا في كرة القدم، ولعل القرار الذي اتخذته منذ فترة طويلة سابقة باعتزال التدريب عام 2009 يثبت اني لم ابحث عما تقول..
الم تكن تعلم ان ثمة خلافات متجذرة بين لاعبي المنتخب العراقي المختلفي المذاهب والديانات، سيما وان تلك الخلافات ظهرت بوضوح في كأس الخليج الأخيرة؟
لا استطيع ان احجب وجود تلك الاختلافات في المذاهب والديانات، وكنت على علم بما حصل في كأس الخليج، فأدركت ان صلب عملي هو صهر اللاعبين في مجموعة واحدة متحابة متجانسة، فالعناصر المتوفرة هي من النوع الراقي والمتمي على المستوى الفردي ويشهد الجميع اننا نجحنا في تقريب اللاعبين من بعضهم البعض عبر الوطنية وباسم العراق ككل، فأبدى اللاعبون تجاوبا رائعا ما يدل على
انهم يعشقون وطنهم.. ولن ادعي نجاحي وحدي في تلك المسألة فقد وجدت مساعدة كبيرة للخلاص من تلك الاختلافات، ولعل ابرز من ساندني في ذلك الشعب العراقي والجمهور العراقي، وكل من احب الخير للعراق ولشعب العراق الأمر الذي اكسب الفريق تعاطفا ربما دوليا وليس على مستوى العراق فقط..
وكأن هذا التعاطف هو من امد المنتخب العراقي بزاد مواصلة التألق وصولا الى الكأس؟
ردة فعل الجماهير العراقية مع انتصارات المنتخب امدت اللاعبين بمزيدمن الدفعات المعنوية والاصرار على الوصول الى النهاية السعيدة بالفوز بالكأس وهذا أمر لا انكره ولكن يجب ألا ننسى ان المنتخب العراقي يضم عناصر جيدة بدليل احتراف عدد كبير منهم خارج العراق، فما كان يحتاجه فقط هو العمل الجماعي كما اسلفت..
لكن الخلاف الذي نشب بين يونس محمود وهوار محمد وصل حد التناطح وتحت مرأى كاميرات شبكات التلفزة كدليل واضح على ان الخلافات كانت موجودة داخل المنتخب خلال البطولة؟
دعني اقول إن الاعلام بشكل عام يعشق التهويل، فسمكة السردين الصغيرة يمكن ان تقدم للناس على انها سمكة قرش... الأمر لم يتعد كونه اختلافا عاديا يحدث في الملعب في حالة خاصة ينتجها الشد والضغط العصبي، اقسم ان يونس وهوار خلال العشاء كانا يمزحان مع بعضهما البعض ويضحكان وكأن شيئا لم يكن..
وكأنك والجهاز الاداري لم تتحدثا مع اللاعبين عقب المباراة؟
بالطبع .. جلست معهما وقلت لهما باحرف ان الامر ربما اضر بكل واحد منهما وبسمعته أمام شعبه قبل الجماهير الأخرى، فعاهداني على ألا يتكرر الامر وعلى ان يتعاونا في قادم المباريات، وهو ما تم فعلا في مباراة استراليا وقدم هوار اعتذارا علنيا ليونس خلال احتفالهما بتسجيل أحد الاهداف .
ثمة استفسار دار في خلد كل عراقي حول رفضك الاستمرار مع المنتخب العراقي وها نحن ننقل لك الاستفسار؟
اولا يجب ان يعرف المدرب الذي يعمل في دول العالم الثالث متى يبدأ ومتى يقف، فمن المعروف انه من الصعوبة بمكان ان يحافظ مدرب على مكانه لفترة طويلة كما يحدث في أوروبا .. كنت قد اتخذت قرارا عقب مباراة استراليا بعدم البقاء مدربا للمنتخب العراقي، ولكن ما لقيته من الجماهير العراقية والشعب العراقي جعلني أعيد النظر بالأمر وفكرت فعلا بالاستمرار ولكن لا اخفيك فقد كانت هناك اختلافات كبيرة وهوة شاسعة بيني وبين ادارة الاتحاد، فلم ارغب في منح بعضهم الفرصة ف اعتباري شماعة أخطائهم ..
لكن الاتحاد العراقي وعبر رئيسه حسين سعيد قال انك لم ترغب بالاستمرار؟
هذا الكلام غير صحيح .. فقد عرفت الجماهير العراقية كلها برغبتي في البقاء، وقلت في لقاء تلفزيوني اني لا امانع ايضا بأن اسكن في العراق ..
ألا تخشى القتل او الاعتقال؟
انا مسلم والحمد لله .. «ولست مسلما لكسب العطف أو الود او من اجل الزواج بمسلمة» واعرف ان امري بيد ربي..
اذًا ما الذي حصل .. ولماذا لم تتول تدريب المنتخب العراقي خصوصا ان الشعب العراقي بأكمله ارادك ان تبقى؟
بسبب ارادة الجمهور والشارع العراقي فاوضني حسين سعيد، ثم خرج للناس لينقل لهم أسبابا أراها واهية لعدم التوصل الى اتفاق؟
ماذا تقصد؟
اقصد ان حسين سعيد عندما جلس معي في العاصمة الاردنية عمان طلبت منه مليون دولار لسنتين، ولكن لم يقل كثيرا او قليلا وقال لي سنرى وسنعاود الحيث ولم يعاود الاتصال بي عقبها فلو كانت لديه الرغبة في التعاقد معي لناقشني في المطلب المادي، خصوصا واني قلت مرارا وتكرار ان المادة هي آخر شيئ بالنسبة لي، ثم خرج الى الجماهير ليقول بأني اردت ان الوي ذراع الاتحاد ولعل اكبر دليل على ان حسين سعيد جلس معي من اجل امتصاص الشارع الكروي العراقي هو ان النرويجي اولسن كان موجودا في عمان في ذات اليوم ، اي ان نية التعاقد مع اولسن كانت مسبقة..
لماذا فضل عليك اولسن؟
قلت لحسين اني على علم بأمر أولسن ... فرد علي بأن المدرب النرويجي وعد بتأمين شركات راعية للمنتخب العراقي، وكأنه اراد ان يطلب مني المثل، ولكني مدرب اعمل واتقاضى راتبا مقابل عملي ولست مدرب «بزنسن» وهم كثيرون وفي كل انحاء العالم .. عموما مازلت اكن كل احترام للعراق وللشعب العراقي ولعلي من اجل ذلك قلت لحسين سعيد اني على استعداد لتقديم اية مساعدة للمدرب الجديد ومتى اراد، وذلك رفانا للجمهور العراقي وليس لشخص حسين سعيد الذي استخدم تكتيكا جيدا كي يفعل ما يريد ..
يبدو ان خلافك مع الاتحاد العراقي ليس بجديد؟
نعم لقد بدأ منذ ان بدأت العمل مع المنتخب، حيث اراد البعض التدخل في عملي وحاول آخرون ان يفرضوا علي اشياء من صلب عملي، لكني تعاملت مع الامر بحزم، فأصبحت من وجهة نظرهم شخصا غير مرغوب به كوني رفضت ان اكون مخترقا وقد وصل الامر بهم الى ان يحاولوا تجيير الانجاز الآسيوي باسمهم فكان ردي دوما لماذا لم يفز المنتخب العراقي بالكأس الآسيوية من قبل..
لم تكد تخل صحيفة او نشرة رياضية تلفزيونية من عروض لك عقب الكأس الآسيوية .. ولكنك لم تتعاقد مع أحد .. فما السبب؟
الحقيقة اني تلقيت عروضا كثيرة وجدية سواء على صعيد المنتخبات كاليابان وكوريا الجنوبية واستراليا، وعلى صعيد الاندية تلقيت عروضا من اندية تونسية ومغربية وبحرينية ولكن شيئا من هذا لم يدث تارة من الاطراف الاخرى التي توقف المفاوضات وتارة اخرى مني .. فأنا املك أكاديميتين لكرة القدم واحدة في المغرب واخرى في البرتغال، فكنت ادرس كل عرض جدي بكل تأني ..
ماذا بشأن العروض القطرية؟
كانت هناك امكانية للتعاقد مع السد ..
وماذا عن الغرافة ، حيث كنت قد اجتمعت مع الادارة؟
لا ليس هناك اي شيئ مع الغرافة فالفريق يملك مدربا رائعا «باكيتا» وهو صديقي المسألة لم تتعد رغبة لدى رئيس النادي للقائي كتهنئة لي على الفوز بالكأس الآسيوية، ولكن للاسف الاجتماع لم يتم ..
السعوديون قالوا انهم هم من خسروا الكأس الآسيوية بعد ظهورهم بالصورة المتوقعة وان العراق لم يفز بالكأس .. بماذا ترد؟
لا اخفيك ان هذا الكلام كان احد المنغصات التي ضايقتني، ذلك ان الكلام ليس صحيحا، فالسعوديون قدموا كل ما عندهم ولكننا نحن من منعناهم من الفوز وتفوقنا عليهم تكتيكيا..
سبق وان هاجمت تنظيم الكأس الآسيوية .. لماذا؟
حدثت بعض الامور التي لا تليق ببطولة قارية، فقد انتظرنا اكثر من ثماني ساعات قبل ان نسكن في الفندق المخصص لنا في ماليزيا، وبشكل عام اعتقد ان التنظيم الرباعي لم يكن مثاليا..
كيف تقيم المشاركة القطرية في الكأس الآسيوية؟
اظن ان نظام البطولات الكبيرة التي تلعب بأدوار أولى كالبطولة الآسيوية لا تحتمل التعويض، فقد تخسر مباراة أو تتعادل في اخرى وتخرج من البطولة، واعتقد ان المنتخب القطري لم يوفق في الدور الأول بالرغم من البداية الجيدة أمام اليابان..