لايخفى أن النحــوَ هــو مــن أهـمِّ علـوم العـــربيــة ويشــتمل على فرعــين أساسيين هما (الصرف والإعراب)ولـلـحـديث بقـــيــة في نفس هذا القســم
فالصـرف: يبحث في أحــوال الكلمــة العربية وبُنيتــها قبل انتظامِها في الجملة ومايعرض لهــا من تصريف وإدغام
وإعلال...الخ. ويعنى بحركات الأحرف المكــوِّنـة للكلمة.
والإعراب: يبحث في أحوال الكلمة العربية من حيث مايعرض لها من تغيير حركاتِ آخرِها من رفعٍ أو نصبٍ
أو جــرٍّ أو جزمٍ أو بناء (لزوم حالة واحدة) وذلك بعد انتظامِـها في الجملة وربما يحدث للكلمة تغييرٌ جزئيٌّ كحذف
حرفِ العلــة من الأفعال المضارعة عند جزمــها وحذف النون في جمع المذكر السالم عند الإضافة وتغيير الألف في
المثنّــىالمرفوع الى ياء عند النصب والجر إلى غير ذلك.
إن علم النحــو يُســدي جميلا للمتكلم والمستمِـع والكاتب والقاريء على حدٍّ سواء في معرفة المقصود من الكلمة وبالتالي من مجمل الكلام.فنحن حينما نقول (حَـكَـمَ الرَّجُــلُ عا دل) وسكَّــنّــا اللامَ في (عادل) بسـبـب انتهاءِ الكلام
ووقوفنا على كلمة(عادل) فان ذلك يوحي أنَّ رجــلاً اسمــهُ (عادل) حَـكَـمَ بقـضـيَّـةٍمعينةٍ.
أمـا إذا قلنا ( حَـكَـمَ الرجلُ عادلاً) بنصب كلمة (عادل) فان ذلك يعني ان الرجل الذي حكم بقضيةٍ معينةٍ كان
عادلاً في حكـمـه أي أن حالةَ الحكمِ كانت عادلةً.
وبيت الشعر الآتــي مثالٌ رائعٌ بهذا الشأن:
زعــمــوا بأَنْ قتلَ الحســيـنَ يـزيـدُهُمْ ********** لكنما قــتــلَ الحســينُ يزيــدا
فالشطر الأولُ وهو ادِّعـاء الطــغاة وتابعيــهِم أن الحسينَ (ع) هو المقتول بنصبه على المفعولية ،ويزيد هو القاتل
برفعه على الفاعلية .والشطر الثاني هــو الحقيقة برأي الشاعر حيث استـبـدل الحركات ِ الإعرابيـةَ للشخصيتين
فجعل كلمة (الحسـين) مرفوعةً للدلالةِ على الفاعليــة وكلمــة (يزيد) منصوبةً للدلالةِ على المفعولية والأخير ممنــوعٌ من الصرف والألف هنا للإطلاق وتُســتعمَلُ كـثـيـراً في الشـعـر.والقرآن الكريم يزخــر بالشواهد فعلى سبيل المثال لاالحصر لو تفحَّــصنا الآية الكريـمة(ياأيُّـها الذينَ آمَنُــوا إذا قُـمْـتُـمْ إلى الصلاةِ فاغسلوا وُجــوهَــكُمْ وأيدِيَـكُمْ إلى المرافقِ وامسـحوا برُؤوسِــكُمْ وأرجُــلَــكُمْ إلى الكعبيـنِ) حيث ان كلمة (أرجل)منصوبةٌ وهــي مفعولٌ به في هذا
الموضع، وحجــة القائلين بغســل الأرجل في الوضوء أنها معطوفةٌ على (وجوه) و(أيدي)بدليل أخذها حركـتـيـهِما
وهي النصب . وقـــولــنا انها مفعولٌ به للفــعــل (امسح) الذي قد يقترن مفعــولُهُ بـ(الباء)للدلالةِ على الجــزئــيــة
أو التبعيض، وقد لايقترن بها فشبه الجملة (برؤوس) في محل نصبٍ مفـعـولٌ به و(الواو) عاطفة و(أرجل) معطوفٌ
على (برؤوس)منصوب لان المعطوف يأخذ حكــم المعــطـوفِ عــلــيــه .وبما ان الباء لم تـدخــل على (أرجل) أي
لايــوجــد تبـعـيـض اقتضى أنْ يُلــحَــقَ بهــا مايُفيـدُ هذا المعنى وهو عبارة (إلى الكـعـبـين)