قصة العبادلة الثلاثة
**
يحكى أنه كانت هناك قبيلة تعرف باسم بني عرافه
؛ وسميت بذلك نسبة إلى إن أفراد هذه القبيلة يتميزون بالمعرفة والعلم والذكاء الحاد
!
وبرز من هذه القبيلة رجل كبير حكيم يشع من وجهه العلم والنور
، وكان لدى هذا الشيخ ثلاثة أبناء سماهم جميعا بنفس الاسم ألا وهو (عبدالله)
؛ وذلك لحكمة لا يعرفها سوى الله ومن ثم هذا الرجل الحكيم
.
ومرت الأيام وجاء أجل هذا الشيخ وتوفي ،
وكان هذا الشيخ قد كتب وصية لأبنائه يقول فيها
(عبدالله يرث ، عبدالله لا يرث ، عبدالله يرث) !
وبعد أن قرأ الأخوة وصية والدهم وقعوا في حيرة من أمرهم
لأنهم لم يعرفوا من هو الذي لا يرث منهم
!
ثم أنهم بعد المشورة والسؤال قيل لهم أن يذهبوا إلى قاضي
عرف عنه الذكاء والحكمة ، وكان هذا القاضي يعيش في قرية بعيدة .
.. فقرروا أن يذهبوا إليه ، وفي الطريق وجدوا رجلا يبحث عن شي ما
، فقال لهم الرجل : هل رأيتم جملا ؟ فقال عبدالله الأول : هل هو أعور ؟ فقال الرجل نعم
.
فقال عبدالله الثاني : هل هو أقطب الذيل ؟ فقال الرجل نعم ...
فقال عبدالله الثالث : هل هو أعرج ؟ فقال الرجل نعم .
فظن الرجل أنهم رأوه ؛ لأنهم وصفوا الجمل وصفا دقيقا .
ففرح وقال : هل رأيتموه ؟
فقالوا : لا .. لم نره
!
فتفاجأ الرجل كيف لم يروه وقد وصفوه له ! فقال لهم الرجل أنتم سرقتموه ؛
وإلا كيف عرفتم أوصافه ؟
فقالوا : لا والله لم نسرقه . فقال الرجل : سأشتكيكم للقاضي
، فقالوا نحن ذاهبون إليه فتعال معنا .فذهبوا جميعا للقاضي
وعندما وصلوا إلى القاضي وشرح كل منهم قضيته ،
قال لهم : اذهبوا الآن وارتاحوا فأنتم تعبون من السفر الطويل
، وأمر القاضي خادمه أن تقدم لهم وليمة غداء ،
وأمر خادما آخر بمراقبتهم أثناء تناول الغداء
..
وفي أثناء الغداء قال عبدالله الأول : إن المرأة التي أعدت الغداء حامل .
وقال عبدالله الثاني : إن هذا اللحم الذي نتناوله لحم كلب وليس لحم ماعز
. وقال عبدالله الثالث : إن القاضي ابن زنا
.
وكان الخادم الذي كلف بالمراقبة قد سمع كل شي من العبادلة الثلاثة
.. وفي اليوم الثاني سأل القاضي الخادم عن الذي حدث أثناء مراقبته
للعبادلة وصاحب الجمل ، فقال الخادم : إن أحدهم قال أن المرأة
التي أعدت الغداء حامل ! فذهب القاضي لتك المرأة وسألها
عما إذا كانت حاملا أم لا ، وبعد إنكار طويل من المرأة وأصرار من القاضي
؛ اعترفت المرأة أنها حامل ، فتفاجأ القاضي كيف عرفوا أنها حامل
وهم لم يروها أبدا ! ثم رجع القاضي إلى الخادم وقال :
ماذا قال الأخر ؟ فقال الخادم الثاني : قال أن اللحم الذي أكلوه
على الغداء كان لحم كلب وليس لحم ماعز . فذهب القاضي إلى الرجل
الذي كلف بالذبح فقال له : ما الذي ذبحته بالأمس ؟
فقال الذابح أنه ذبح ماعزا ، ولكن القاضي عرف أن الجزار كان يكذب
؛ فأصر عليه أن يقول الحقيقة إلى أن اعترف الجزار بأنه ذبح كلبا
لأنه لم يجد ما يذبحه من أغنام أو ما شابه . فاستغرب القاضي كيف عرف العبادلة أن اللحم الذي أكلوه كان لحم كلب وهم لم يروا الذبيحة إلا على الغداء !
وبعد ذلك رجع القاضي إلى الخادم وفي رأسه تدور عدة تساؤلات ،
فسأله إن كان العبادلة قد قالوا شيئا آخر . فقال الخادم : لا لم يقولوا شيئا
. فشك القاضي في الخادم ؛ لأنه رأى على الخادم علامات الارتباك !
وقد بدت واضحة المعالم على وجه الخادم ؛ فأصر القاضي على الخادم أن يقول الحقيقة ،
وبعد عناد طويل من قبل الخادم قال الخادم للقاضي : أن عبدالله الثالث قال
أنك ابن زنا فانهار القاضي ! وبعد تفكير طويل قرر أن يذهب إلى أمه ليسألها
عن والده الحقيقي ... في بداية الأمر تفاجأت الأم من سؤال ابنها وأجابته
وهي تخفي الحقيقة ، وقالت أنت ابني ، وأبوك هو الذي تحمل اسمه الآن .
إلا أن القاضي كان شديد الذكاء ؛ فشك في قول أمه وكرر لها السؤال .. إلا أن الأم لم تغير أجابتها ، وبعد بكاء طويل من الطرفين ، وإصرار أكبر من القاضي ؛ في سبيل معرفة الحقيقة خضعت الأم لرغبات ابنها وقالت له أنه ابن رجل آخر كان قد زنا بها ؛ فأصيب القاضي بصدمة عنيفة كيف يكون ابن زنا ، وكيف لم يعرف بذلك من قبل ! والسؤال الأصعب كيف عرف العبادلة بذلك
!
وبعد ذلك جمع القاضي العبادلة الثلاثة وصاحب الجمل لينظر في قضية الجمل وفي قضية الوصية ؛ فسأل القاضي عبدالله الأول : كيف عرفت أن الجمل أعور ؟ فقال عبدالله : لأن الجمل الأعور غالبا يأكل من جانب العين التي يرى بها ولا يأكل الأكل الذي وضع له في الجانب الذي لا يراه ، وأنا قد رأيت في المكان الذي ضاع فيه الجمل آثار مكان أكل الجمل ؛ واستنتجت أنه الجمل كان أعورا . وبعد ذلك سأل القاضي عبدالله الثاني قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أقطب الذيل ؟ فقال عبدالله الثاني : إن من عادة الجمل السليم أن يحرك ذيله يمينا وشمالا أثناء إخراجه لفضلاته ؛ وينتج من ذلك أن البعر يكون مفتتا في الأرض ، إلا أني لم أر ذلك في المكان الذي ضاع فيه الجمل ، بل على العكس رأيت البعر من غير أن ينثر ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أقطب الذيل ! وأخيرا سأل القاضي عبدالله الأخير قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أعرجا ؟ فقال عبدالله الثالث : رأيت ذلك من آثار خف الجمل على الأرض ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أعرجا .
وبعد أن استمع القاضي للعبادلة اقتنع بما قالوه ، وقال لصاحب الجمل أن ينصرف بعدما عرفوا حقيقة الأمر . وبعد رحيل صاحب الجمل قال القاضي للعبادلة : كيف عرفتم أن المرأة التي أعدت لكم الطعام كانت حاملا ؟ فقال عبدالله الأول : لأن الخبز الذي قدم على الغداء كان سميكا من جانب ورفيعا من الجانب الآخر ، وذلك لا يحدث إلا إذا كان هناك ما يعيق المرأة من الوصول إليه ، كالبطن الكبير نتيجة للحمل ، ومن خلال ذلك عرفت أن المرأة كانت حاملا ! وبعد ذلك سأل القاضي عبدالله الثاني قائلا : كيف عرفت أن اللحم الذي أكلتموه كان لحم كلب ؟ فقال عبدالله : إن لحم الغنم والماعز والجمل والبقر جميعها تكون حسب الترتيب التالي (عظم - لحم - شحم) إلا الكلب فيكون حسب الترتيب التالي (عظم- شحم – لحم ) ؛ لذلك عرفت أنه لحم كلب. ثم جاء دور عبدالله الثالث وكان القاضي ينتظر هذه اللحظة ، فقال القاضي : كيف عرفت أني ابن زنا ؟ فقال عبدالله : لأنك أرسلت شخصا يتجسس علينا ، وفي العادة تكون هذه الصفة في الأشخاص الذين ولدوا بالزنا . فقال القاضي (لا يعرف ابن الزنا إلا ابن الزنا) وبعدها ردد قائلا : أنت هو الشخص الذي لا يرث من بين أخوتك لأنك ابن زنا
******
*
تحياتي
كنوز