طُرِقَ الباب , ففتحت ربّة البيت الفتيةُ البابَ , لترى ثلاث شباب بملامحَ جميلة فخاطبتهم:
نعم, امر ... خدمة ؟
فأجابوها: نحن جياعٌ وعطاشا
فابتسمت لطريقة كلامهم , وردّهم بشكل جماعي وكأنهم شخص واحد , فاجابتهم: انا لا اعرفكم , ولايمكنني ان ادخل الغريب الى بيتتنا , حتى يأتي زوجي , ولكن يمكنني ان اضيفكم في الباب .
فردوا عليها : نحن لسنا من عابري السبيل , لنأكل بالباب .
فأكدت: حسنا , يمكن ان تنتظروا زوجي كيما نقيم لكم حسن الضيافة , فهو الان في عمل خارج البيت , وكما تعرفون ان الجميع احباب الله فلا فرق بين غني وفقير , فاسمحوا لي الان ان اغلق الباب مع الاعتذار حتى يحضر زوجي .
فتبادل الثلاث نظرات الاعجاب والاحترام مع بعضهم البعض تجاه المرأة وردّوا عليها: حسنا, لاضير, فنحن سننتظر زوجك الكريم .
اغلقت الباب وهي في حيرة من امرهم ومن شمائلهم المتشابهة الموحية بالثراء والسيادة, مع طريقة كلامهم المشتركة باللفظ , وعند الغروب , حضر زوجها , متفاجئا بثلاث شباب متوسدين في غفوة ارضية الشجرة امام بيته,فدخل مستفسرا عن ذلك , لتروي له ربّة بيته ما جرى , وانطباعاتها عنهم , فقال لها زوجها: جيد, سادعوهم كي نضيَّفهم هذه الليلة كعاداتنا ,فلا يجوز تركهم وهم غرباء في الديار على ما أظن.
فتوجه زوجها الى خارج البيت نحو الشجرة لدعوتهم ووجدهم يتهامسون , ما ان اقترب منهم فتبادر الى ذهنه كأنه يعرفهم ,فسلم عليهم وقال: فانا وزوجتي نعتذر لكم , ولكن تعرفون اخلاق اهلنا بالتعامل مع الغرباء .
فردوا عليه: نعم نعرف التقاليد , بل ونحترمها, ولا ضير في ذلك .
فتسائل: كأنني أعرفكم أو رأيتكم في مكان ما ؟
فأجابوه: أِحتمال فنحن كثيروا التنقل جماعة او فرادا , ولا نمكث مكانا الا بشروط فتطول مدة بقائنا .
فأكد عليهم: اتمنا ان تقبلوا دعوتنا وتنزلون الليلة ضيوفا علينا .
فنظر كل واحد منهم الى الاخر وردوا بسرعة: لايمكننا قبول دعوتكم .
فتسائل زوج المرأة بتعجب: لماذا؟
وتبادل الشباب مرة اخرى النظرات , في وسط دهشة زوج المراة , وتكلم كل واحد منهم منفردا, مؤشرا الى واحد منهم, فقال وهو يؤشر للاول: هذا اسمه الغنى .
واشر اخر الى الثاني: هذا اسمه التوفيق .
واكمل الاخير مؤشرا نحو الثالث: وهذا اسمه العشق .
فرد زوج المرأة بدهشة من هذا التوضيح مرحبا: اهلا وسهلا والجميع مرحب بهم !
وعادوا للتكلم جماعيا:عليكم اولا ان تختاروا الان من تضيفوه في بيتكم .
فتسائل زوج المراة : لماذا ؟!
فردوا: ستعرفون عندما تختارون .
فطالبهم بحيرة : اسمحوا لي ان اشاور الاهل .
فشجعوه على ذلك : لك ما تريد ونحن بانتظاركم .
أنطلق حائرا من موقفهم ليشاور الاهل بالاختيار , وكان يدرك , لابد له من الاختيار من اجل الضيافة , فدخل البيت ليشرح لزوجته الامر , وشروط الضيوف للضيافة , وكان طفلهم يستعد للنوم في سريره , فابدى زوجها رأيه امام دهشة ربة البيت من الموضوع:ما رايك بان نضيف الغنى ؟
ولكن ربة البيت بعد برهةٍ من الصمت والتفكير ابدت رأياً مخالفاً : دعنا نضيِّف التوفيق .
فتبحّر كل منهما في زوجه حائرا متفكراً , شاعران بصعوبة الاختيار , فأخرج طفلهما رأسه من الكساء مردداً وهو يتثائب : لماذا تناسيتم العشق ؟ فاختاروه افضل .
فاندهشا كلاهما من التدخل البريء لطفلهما , وكأنها حاجة في نفسه رغب ان يعبر عنها , فلم يجدا في نفسيهما اي نفور من رأيه , فهزّت ربّة البيت رأسها لزوجها ملمّحة بالموافقة .
سارع زوجها الى خارج البيت قاصدا الضيوف تحت الشجرة وقد اسدل الليل ظلامه على الارض , وقد وجدهم قد اشعلوا نارا , وهم في حديث وهمس , مقتربا منهم وتبين من نظراتهم لهفتهم لمعرفة الاختيار , فخاطبهم : تم اختيار العشق , مع اعتذارنا للأخرَين , فقد كان هذا شرطكم الصعب .
فنهض الثلاث وهم يباركون للعشق الفرح من الاختيار , وهو ينطلق مع مضيَّفه الى البيت, ليتفاجأ زوج المرأة ان الاخرَين يتبعانهما,فتسائل بدهشة:لماذا تتبعاننا
فرد الثلاث سوية: اذا ما كنتم اخترتم الغنى او التوفيق على الانفراد , لكان الاخران لايرافقانه , ولكن اخترتم العشق, واينما يتواجد العشق, يرافقه كل من الغنى والتوفيق
****
علي ايراهيم
21/01/2010