اشتقت الى نجلاء .........مما كتبت في اوقات سابقة
على باب الزنزان الحديدي الاسود كان احدهم قد حفر في طلاء الباب هذا الشعر:
اذا سائني امر فقد سرني امر
وان مسني عسر فقد مسني يسر
لكل من الايام عندي عادة
فان سائني صبر وان سرني شكر
كان قد مضى على اعتقالي ستة شهور عندما زججت هناك ..
كان اليوم شتائيا باردا ...كنت حينها في غاية االجوع والبرد فلم اكن البس شيئا يذكر عندما قرات تلك الابيات ...
حنها تذكرت ان الناس في الخارج كانت تكتب الشعر ..ولعلها لازالت تفعل ...وتذكرت صديقي اديب ..وحبنا العذري المقدس ...والوف الحكايا التي عشات معها اياما وليال...
بين جدران الزنزان كنت اراها ترقص امامي تغمض اجفاني قبل ان انام ... وتمسد شعري الذي غسلته للمرة الاخيرة قبل قرن ...
لا اخفيكم سرا باني لا زلت افتقدها رغم اني ابتعدت عنها خمسة عشر الف سنة ...
اي امراة هي .. بل اي عالم هو عالم النساء ؟
عالم من الجنون والدفء والضياع ...
كنت اسال نفسي بعد شهور طويل في الزنزان ان كان ثمة عالم لازالي ينبض بالحياة من دوني ..لازال ينبض بالنساء .....الالوف من طالبات المدارس وبائعات الخضار والبغايا والعشيقات والارامل ...وربات البيوت ....والقرويات في الحقول ...
اتجول فيهن جميعا ثم اعود لاتحطم عند قعر زنزاني المظلم البائس المليء بالظلام والعفن والجوع ...اجوع فاشتاق اليها ..اشتاق الى نجلاء ...
في جوف الليل كنت اصحو ...امد يدي الى جدران الزنزانة ..افتح عيني بقوة ..وانا لا اريد تصديق اني لا زلت في القبر ...في الظلمة النهارية الليلية كنت احاول ان اطفأ كابوسي بالحلم ...
كنت اصاب بخيبة امل عظيمة عندما اعرف اني لازلت في الزنزان وان نجلاء في عالم اخر ..عالم حر ...عالم العطر ..والشعر البارد ...والاشجار التي تغني ...والطيور التي تتفرج على العشاق ...والسماء الصامتة ..
كنت اهرب الى نجلاء في قمة فزعي ..
اجلس في ساعات متاخرة من الليل وادندن ...ادندن وابكي ...لم يكن بكاءا ...كانت دموعا تحرق وجهي ..تخرج من القلب فيلتهب لها اجفاني ...
أتذكر امي ..يدها الناعمة ...رائحتها التي لا يخطأها أنفي ..احزانها المستديمة..عندما اتذكرها هي الاخرى احس بالحاجة الى احضان دافئة فأهرب الى احضان همجية ...الى نجلاء من جديد ايها السادة ..
لم اعد اذكر كم يوما بقيت هناك ...الفا الفان ثلاثة مليون ..
كل ما اذكره انها فيما بعد صارت تنام معي ...تدخل من فتحة الباب الصغيرة وتنسل الى حجري بهدوء ...
لم تكن تحدثني ..لم اكن افهم شيئا سوى ان لها شعرا اسود يتماوج بفخر ..وشفاه اشتقت الى نجلاءناعمة ...ونهود شامخة ... وفيما عدا ذلك ..كان الظلام سيد الموقف.
احيانا اهمس اليها : نجلاء هل تحبينني ؟
واصمت خشية ان يسمع الحراس همسها ...جوابها فيأخذوني منها ...ويعتقلونها ...وانا اريدها ان تظل حرة ...
ولم ارى نجلاء بعد ذلك ابدا ..فتشت عنها في كل النساء فلم اراها ...ولهذا صرت أحن الى الظلام وهدوء الزنزان ...واغاني الاشجار ...وافتش في كل وجوه النساء عن وجه يشبه وجهها وشفاه تعشقني ...
ولما بحثت وبحثت ولم اجد اي من ذلك فقد اشتقت الى زنزان يجمعني فيها بلا قيود في ساعات الليل الاخيرة