الأرق و علاجه
لماذا يتردد الأطباء في وصف الحبوب المنومة لمن يطلبها؟
أن نذهب إلى السرير للنوم، شيء.. وأن ننام آنذاك فيه حقيقة، شيء آخر. وأن ننام على السرير، شيء.. وأن نكون في ذلك النوم مرتاحين، شيء آخر. وأن ننام مرتاحين على السرير، وبالليل، شيء.. وأن نستيقظ ونحن نشعر بالنشاط والراحة بعد النوم، وطوال النهار، شيء آخر. وأن ننام مرتاحين ونشعر بالنشاط بعد الاستيقاظ من النوم، شيء.. وأن نُحقق لأجسامنا وانفسنا الفوائد الصحية التي ....
يُمدنا النوم الصحي بها، شيء آخر. الأمر لا فلسفة فيه ولا تعقيد، ذلك أن ذهاب أحدنا إلى سريره بالليل لا يعني أنه سينجح في الخلود إلى النوم لا محالة، بل ثمة من يُعاني من حالات الأرق، بشقيه الحاد والمزمن. ودخول أحدنا في «نوم» من أي نوعية، لا يعني تلقائياً أن نومه سيكون مُريحاً لنفسه ولجسمه، بل ثمة من يُعاني من تقلبات النوم والاستيقاظ، خاصة في ساعات الصباح الأولى، أو من حالات «تشنجات الأطراف السفلية أثناء النوم». والاستغراق في «نوم»، قد يحسبه أحدنا عميقاً ومريحاً طوال الليل، ليس نتيجته بالضرورة، بعد الاستيقاظ، الشعور العارم بالراحة والنشاط طوال النهار، بل هناك منْ يُعانون من اضطرابات في التنفس بشكل دوري وطوال النوم الذي يحسبون أنهم مُستغرقون فيه بكل عمق، بينما الواقع الجسدي خلاف ذلك.
والنوم لعدد غير كاف من الساعات، وفي خارج وقت الليل، هو مما أثبتت الدراسات الطبية آثاره السلبية على الصحة. وتحديداً ارتفاع الإصابات بمرض السكري وضغط الدم والسمنة وأمراض الشرايين القلبية وغيرها.
«حل شكلي» للأرق
* اضطرابات النوم مجال طبي واسع، ويشهد تقدماً قلما نلحظ له مثيلاً في جوانب شتى من الطب. وتعرف الباحثون والأطباء على ملامح لصورة، لم تكتمل بعد تفاصيلها، عن اضطرابات النوم، يُعطينا انطباعاً طبياً حقيقياً بأننا لا نزال نجهل الكثير عن النوم الصحي وتأثيراته على روح الإنسان وجسده. لكن دعونا نقتصر في العرض على الحديث عن صعوبات الخلود إلى النوم.
والأرق Insomnia أحد حالات اضطرابات النوم. وهو حالة يواجه المرء فيها صعوبة إما في الدخول إلى النوم، أو البقاء فيه، أو في كليهما. ولذا نجد منْ يُعاني حتى ينام، وآخر تبدأ معاناته بعد النجاح في الدخول إلى النوم، حيث نراه يستيقظ في ساعات الصباح الأولى ولا يستطيع العودة إلى النوم. وثمة من يُواجه صعوبة في كل من الدخول إلى النوم والاستمرار فيه. والنتيجة النهائية لكل مظاهر الأرق هي نوعية رديئة من النوم، لا تُعطي حيوية ونشاطاً خلال ساعات الاستيقاظ. وبالجملة، يُعاني من الأرق حوالي 25% من كبار السن، و10% من بقية الناس في الأعمار الأقل.
وكديدن البشر عادة، ننجح في اختراع حلول شكلية تُغطي عنّا المعاناة من المشكلة وتُخدرها، لكننا لا نُزيلها ونُعالجها بطريقة سليمة. ولذا نجد أن المواد والأدوية المنومة sleeping pills هي من أقدم ما نجح طب الحضارات السابقة والحالية في اختراعها، كي يسهل على متناوليها الخلود إلى النوم والاستغراق فيه. واختراعها وإنتاجها بلا شك جهد طبي مهم، ولها دواعيها في حاجة البعض إليها خلال أوقات معينة، إلا أن الملاحظ أن اللجوء إليها كـ «حل مؤقت»، أصبح لدى غالبية منْ يُعانون من صعوبات في الخلود إلى النوم «حلاً دائما» و«حلاً وحيداً»، وذلك بدلاً من بذل المحاولات الجادة لوضع حلول عملية وغير دوائية لمشاكل صعوبة الدخول إلى النوم. ولذا نشهد إسرافاً في إنتاج الحبوب المنومة، وتفننا في تحضير أنواع سريعة التأثير وقصيرة أمد المفعول. ولكن أخطر ما نشهده هو تهافت الكثيرين للحصول عليها، وبالأخص دونما مراجعة للأطباء المختصين بمعالجة حالات الأرق. وعلى الرغم من كل الضوابط الصارمة، إلى حد ما، في وصفها والحصول عليها، إلا أن الحبوب المنومة لا تزال تجد طريقها سهلاً إلى أفواه الكثيرين! ولكن قبل الإجابة على سؤال: لماذا يتردد الأطباء في وصف الحبوب المنومة، بأنواعها القديمة أو الحديثة المطورة، لمن يُريدها للنوم؟ علينا مراجعة ما هو الأرق وأنواعه وأسبابه، كي نفهم جانباً من دواعي استخدام الحبوب المنومة من الناحية الصحية، وما هي تأثيراتها السلبية حين الاستخدام العشوائي لها.
* أرق مزمن وآخر عابر ووفق ما تشير إليه نشرات المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة، والهيئات الطبية التابعة لها والمعنية بطب النوم، فإن هناك نوعين من الأرق، وهما ابتدائي وثانوي، وذلك من ناحية وجود السبب أو عدمه. و«الأرق الابتدائي» Primary insomnia ، هو ما يُصيب الشخص بصعوبات في النوم غير ناجمة بشكل مباشر عن أي حالات مرضية يُعاني منها المرء، أو أي مشاكل.
أما «الأرق الثانوي» Secondary insomnia، فهو صعوبة النوم التي يواجهها منْ يُعاني بالأصل من اضطرابات مرضية، كالربو أو الاكتئاب أو التهابات المفاصل أو مشاكل المعدة أو أورام سرطانية، أو يُعاني من أمراض وحالات تتسبب في الشعور بالألم، ما يُعيق خلوده إلى النوم. أو كنتيجة لتناول أدوية طبية معينة، أو الإفراط في استهلاك مواد ضارة، كالكحول وغيره.
وتشير المصادر الطبية إلى أن حوالي 80% من حالات الأرق هي من نوع «الأرق الثانوي». ومن أشهر الحالات المرضية تلك أمراض القلب أو الرئة، أو وجود حالات من الألم في المفاصل أو غيرها، أو الاكتئاب، أو القلق، أو تناول الكحول.
أما من ناحية تقسيم أنواع الأرق بحسب طول مدة المعاناة منه، فإن ثمة ثلاثة أنواع من الأرق، وهي «الأرق العابر» Transient insomnia، و«الأرق الحاد» Acute insomnia، و«الأرق المُزمن»Chronic insomnia. والأرق العابر يستمر لبضعة أيام أو أسابيع. ولكن ليس كل ليلة، لدى منْ هم بالأصل لا يُعانون من أي اضطرابات في النوم. وغالباً ما يكون نتيجة للمعاناة من اضطرابات مرضية عابرة، أو تغير في ظروف النوم المعتادة من الضجيج وشدة الضوء، أو كتفاعل مع التوترات، وإجهاد ظروف غير معتادة في أحداث الحياة اليومية. وقد لا يستمر الأرق بزوال السبب في ظهوره، وقد يزول ويظهر، ويُصنف حينئذ كأرق عابر متقطع intermittent insomnia.
والأرق الحاد، هو حالة تتواصل المعاناة فيها من صعوبة الدخول إلى النوم أو الاستمرار فيه أو عدم الحصول على نوم مُنعش، لمدة تصل إلى شهر. وغالباً ما يكون نتيجة للإصابة بأحد الأمراض أو بسبب التعرض لمؤثرات في جانب الراحة النفسية.
والمهم طبياً هو تعريف حالة «الأرق المزمن». وهي التي تتميز بصعوبات في النوم، خلال أكثر من 3 أيام في كل أسبوع، لمدة تتجاوز شهرا أو أكثر. وعلينا تذكر أن وصف «حاد» و«مزمن»، هو تصنيف طبي للأمراض المختلفة. والمقصود منه بالدرجة الأولى الإشارة إلى «مدة المعاناة». ولا علاقة لهما بشدة أو قوة المرض.
منقــــــــــول
يتبـــــــــــع