الوجه الآخر لعمر سليمان
مقالة نشرتها وكالة أنباء المستقبل العراقية للصحافة والنشر (ومع)
كاظم فنجان الحمامي
لم أكن أعرف شيئا عن نائب رئيس الجمهورية (اللواء عمر سليمان) حتى اليوم الذي خرج فيه من خاصرة ميدان التحرير, على ظهر ناقة عجفاء تهرول خلفها قطعان الإبل والخيول والبغال الرئاسية, في قافلة مذعورة من قوافل داحس والغبراء, وهي تشق صفوف المحتشدين وسط القاهرة, وتدوس بقوائمها على الجموع البشرية المنددة بالمملكة المباركية, في مشهد مخجل, اقل ما يقال عنه انه كان وصمة عار بوجه الحقبة العربية المظلمة الممتدة من دولة الخروف الأسود إلى دولة خروف العيد.
ظهر عمر سليمان قلقا متوترا, شاحب الوجه, نحيف البنية, متخشب القوام, وهو يقف بين يدي أعظم زعماء الشمال الأفريقي, فبحثت في الشبكة الدولية عن التاريخ المهني لهذا السوبرمان المنقذ, الذي أفرزته المرحلة الراهنة, في خضم الأحداث البركانية المتأججة بالتظاهرات والاحتجاجات, ففوجئت بتصريحات وزير المخابرات الصهيوني (دان مريدور), التي يقول فيها: (على الرغم من كل التوقعات السوداوية, فإن الأمل الوحيد الذي ينبغي أن نتعلق به, هو أن تؤول مقاليد الأمور في نهاية المطاف إلى السيد عمر سليمان, الذي تربطنا به علاقات متينة وحميمة, تجعلنا نطمئن أكثر من ذي قبل, لأن علاقاتنا بمصر ستكون أكثر رسوخا وثباتا مما كانت عليه في عهد الرئيس مبارك), وذهبت الدكتورة (ميرا تسوريف) الناشطة في مركز (دايان) بجامعة تل أبيب, إلى ما ذهب إليه ابن عمها (دان مريدو), في حديثها الذي تقول فيه: (أن تولي عمر سليمان مقاليد السلطة في مصر يمثل خطوة تبعث على التفاؤل بالنسبة لإسرائيل, وان العلاقات الودية القائمة بيننا ستكون أكثر لينا ومرونة).
لم تدع هذه التصريحات أي مجال للشك والريبة عن علاقة الرجل الوطيدة بزعماء تل أبيب, الأمر الذي يشجع الباحث على التعمق فيما كتبته عنه الصحف الإسرائيلية, ففي ملف خاص أعدته صحيفة (هاآرتس), تناولت فيه الملامح الشخصية لهذا الرجل, وردت الملاحظات التالية: (انه يبدو للوهلة الأولى من الضباط التقليديين, فهو أصلع الرأس, متوسط الطول, لا يثير الانتباه, بيد أن الذين تعاملوا معه, يقولون عنه: انه يتميز بعينين سوداوين, ونظرات ثاقبة, وشارب خفيف, ولا يميل إلى الكلام, أما إذا أراد أن يتحدث فهو غالبا ما يتحدث بصوت خافت, ويبدو عليه الانضباط والهدوء والاتزان, ويتسم بالكياسة والوقار), ويتفق (جورج تنيت) المدير السابق للـ (CIA) مع هذا الرأي إلى حد بعيد, إذ يقول عنه في كتابه (في قلب العاصفة): (يتمتع اللواء عمر سليمان بالوقار والهيبة, وهو شديد البأس, يميل إلى الصراحة, يتحدث بلباقة وبتمهل, لكنه قليل الكلام, ويكره الأضواء, وتتسم صفاته العامة بالدقة والتنظيم والجرأة والصلابة).
ولد عمر سليمان في محافظة (قنا) في العام 1935, وغادر مدينته الواقعة في أقصى الجنوب المصري متوجها إلى القاهرة في العام 1954 ليلتحق بالكلية الحربية, وأوفد بعد تخرجه إلى الأكاديمية العسكرية في موسكو, ثم تفوق على أقرانه في الجيش المصري حتى وصل إلى رتبة لواء, وحصل على أرفع الأنواط والأوسمة, وظهرت عليه سمات القيادة الميدانية الصارمة, فعمل خبيرا عسكريا متقدما, نال بعدها درجة البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من جامعتي عين شمس والقاهرة, ثم تولى إدارة المخابرات الحربية, وتلقى سليمان تدريبا خاصا خلال ثمانينات القرن الماضي في مركز كينيدي الخاص للحروب في فورت براغ بنورث كارولينا, وأصبح رئيسا لجهاز المخابرات العامة المرتبط مباشرة بديوان الرئاسة.
قالت عنه صحيفة (لوس انجلوس تايمز) الأمريكية: (انه يمسك أهم ملفات الأمن السياسي في مصر والشرق الأوسط, وكان هو العقل المدبر الذي يقف وراء تفتيت الجماعات الإسلامية, وله ارتباطات متعددة بأقطاب الصراع السياسي في المنطقة, ويقيم علاقات وثيقة مع أجهزة المخابرات الغربية, وفي مقدمتها الـ (CIA), وقال عنه الناطق الرسمي باسم المخابرات الإسرائيلية (يوسي ميلمان) في لقاء مع صحيفة (هاآرتس): انه يقيم اتصالات دائمة مع معظم الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية, بضمنها الموساد, ورئيسها الأسبق (شبطاي شفيت), وله علاقات متشعبة بالأمن الداخلي (الشاباك), وعلاقات أخرى بشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان), ويضيف ميلمان: أن اللواء عمر سليمان انتقم من عرفات أشد الانتقام, مشيرا إلى انه عندما شنت إسرائيل حملة (السور الواقي) عام 2002, اتصل عرفات بسليمان, واستعطفه أن تتدخل مصر, وتقوم بإجراء رمزي للتعبير عن رفضها السلوك الإسرائيلي, لكن سليمان تجاهل عرفات, ورفض الرد على اتصالاته, وسمح بتوفر الظروف التي أدت إلى حصار عرفات, وانهيار السلطة في ذلك الوقت), وهو الذي لفق ملفات الاتهامات الدولية ضد العراق, ومنح كولن باول الغطاء الرسمي لغزو العراق.
يقول عنه ميلمان:انه يحمل ضغائن كبيرة لجماعة الإخوان المسلمين, ويرى أنهم يشكلون التهديد الأكبر لمصر, وكان يتفاخر بما قام به في تضييق الخناق عليهم).
فهل جاء اختيار هذا الرجل (المنقذ) ليتبوأ منصب الرئاسة بالصدفة ؟. وهل كانت الإدارة الأمريكية في منأى عن هذه الترقية التي حصل عليها صديقها الحميم ؟. أنا شخصيا لا أعرف الجواب, لكنني أخشى أن يكون حال مصر كالمستجير من الرمضاء بالنار.