بسم الله الرحمن الرحيم
وصلاة وسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
علم الكلام
نعني من علم الكلام العلم الذي يبحث عن الوجود والوحدانيّة والصفات وما يلزم هذه المباحث من نبوّة وإِمامة ومعاد، وبالأدلّة العقليّة المبتنية على اُسس منطقيّة صحيحة، ولا نعني به علم الجدل الذي تاه فيه كثير من الناس لاعتمادهم فيه على خواطر توحيها اليهم نفوس ساقها الى الكلام حبّ الغلبة في المجادلة، دون أن يستندوا الى ركن وثيق أو يأخذوا هذا العلم من معدنه الصحيح.
وإِن جاء ذمّ على ألسنة الأحاديث للمتكلّمين فيعني بهم الذين تعلّموا الجدل للظهور والغلبة ولم يستقوا الماء من منبعه، ولم يعبأوا بما يجرّهم اليه الكلام من لوازم فاسدة، وأمّا الذين انتهلوه من مورده الروي وبنوه على اُسس صحيحة ودعائم وجدانيّة فإنهم ألسنة الحقّ وهداته ودعاة الايمان وأدلاؤه.
وإِن أوّل من برهن على الوجود ولوازم الوجود بالأدلّة العقليّة والآثار المحسوسة أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى كاد أن يشكّ في تلك الخطب بعض مَن يجهل أو يتجاهل مقام أبي الحسن من العلم الربّاني بدعوى أن العلم على تلك الاُصول لم يكن معهوداً في ذلك الزمن، وليت شعري إِن لم يعترف هذا الجاهل بأن علم أبي الحسن إِلهامي يستقيه من المنبع الفيّاض فإنه لا يجهل ما قاله النبي صلّى اللّه عليه وآله فيه: أنا مدينة العلم وعليّ بابها.
ونسج على منوال أبي الحسن بنوه في هذا العلم فإنهم مازالوا يفيضون على الناس من علمهم الزاخر عن الوجود ولوازمه، وكيف يعبد الناس ربّاً لا يعرفونه ويطيعون نبيّاً يجهلونه ويتّبعون إِماماً لا يفقهون مقامه، فالمعرفة قبل كلّ علم
وأفضل كلّ علم، يقول الصادق عليه السّلام: أفضل العبادة العلم باللّه(1).
وليس للسمع في تلك القواعد والاُصول مدخل، لأن التقليد في العقليّات لا يصحّ عند أرباب العقول.
بلى قد يجيء النقل دليل ولكنه من الارشاد الى حكم العقل، أو الاشارة الى الفطرة كما في قوله تعالى: «أفي اللّه شكّ فاطر السموات والأرض»(2) وأمثاله من القرآن المجيد، فإن هذه الآية الكريمة لم تحمّلك على القول بالوجود حتماً، بل لفتتك اليه من جهة الأثر ومشاهدته.
فاذا جاء عن الرسول وعترته أدلّة على هذه الاُصول فما كلامهم في هذا إِلا إِرشاد الى حكم العقل، فإنهم ما زالوا يدلّون على العقل ويهدون الى دلالته، وهذا الصادق نفسه يقول: العقل دليل المؤمن، ويقول: دعامة الانسان العقل، ويقول: لا يفلح من لا يعقل(3)، ولو قرأت ما أملاه الكاظم عليه السّلام على هشام بن الحكم في شأن العقل والعقلاء(4) لعرفت كيف عرفوا حقيقة العقل، ودلّوا عليه وحثّوا على الاستضاءة بنوره.
ولقد جاء في كلامهم الشيء الكثير من الاستدلال على هذه الاُصول، وهذا نهج البلاغة قد جمع من البراهين ما أبهر العقول وحيّر الألباب، كما جمعت كتب الحديث والكلام كثيراً من تلك الحجج، ومن تلك الكتب احتجاج الطبرسي، واُصول الكافي، وتوحيد الصدوق، والأوّل والثّاني من البحار، وفي كتبه الاُخرى التي يترجم فيها الأئمة عليهم السّلام ويذكر كلامهم طيّ
_______________
(1) بحار الأنوار: 215/21.
(2) إبراهيم: 10.
(3) الكافي: 1/26/29.
(4) الكافي: 1/13/12
.نسألكم الدعاء