قصة يابانية (طائر الغرنوق)
مقدمة:
يصور اليابانيون الثعلب في حكاياتهم الشعبية محتالاً مناكداً، ولكنهم يضيفون إلى هذه الحكايات حس الفكاهة والسخرية من أبطال الحكايات الذين يخدعهم الثعلب، فيتوفر للحكاية طرافتها، إضافة إلى الهدف الاجتماعي النافع، وهو التحذير من خداع الثعالب.
إن تلازم الإنسان والحيوان سمة ظاهرة في الفلكلور الياباني الذي لا يعرف العرَّافات والساحرات والجنيات والمشعوذين، كما في الثقافات التقليدية لشعوب أخرى. إنك تقابل في الحكايات الشعبية اليابانية الموروثة قليلاً من العمالقة والأقزام، وبعض الأشباح والوحوش الخرافية، وكثيراً من الحيوانات؛ فلا تكاد تخلو حكاية شعبية يابانية من حيوان أو أكثر. ويلاحظ قارئ الحكايات الشعبية اليابانية أن بعض الكائنات الحية يجسَّد أرواحاً لهيئات طبيعية كالجبال والأنهار، وقد (تنقلب) في هيئة آدمية نقية المعدن.
قصة طائر الغرنوق:
في يوم من الأيام، توجه فلاح شاب يتصف بالأمانة إلى الحقول الجبلية ليحتطب، فعثر علي غرنوق جريح يعاني الآلام. قال الفلاح وهو يقبل على الطائر يعالج جرحه: "طائر مسكين.. من الذي يطاوعه قلبه ليسقط مثل هذه المخلوق الجميل؟"
وذات مساء، بعد مرور عدة أيام، دقت باب بيت الفلاح الشاب فتاة صغيرة جميلة، سألته أن يؤويها الليلة، فالظلام يهبط، وقد أعياها السير فلم تعد تقوى على مواصلته. ولم يلبث الشاب أن وقع في حبها من أول نظرة، وسألها أن تبقى إلى الأبد، لتكون زوجة له، فوافقت على استحياء. عاشا معا في سعادة غامرة، لم يعكرها إلا فقر الشاب، وكان الشتاء يقترب وليس لديه من المؤن ما يكفي لمواجهته حتى يأتي الربيع.
وحدث أن الزوجة عرضت أن تشتغل بالنسيج الحريري إلى عاصمة البلاد، وبيعها إلى تاجر كبير، مقابل مبلغ مجز من المال. وكان التاجر مسروراً بحصوله على الحرير الجميل، وطلب من الشاب أن يأتيه بلفافة أخرى. نقل الشاب رغبة التاجر إلى زوجته، فقالت: لا أعرف إن كان ذلك بإمكاني أم لا، غير أنني سأحاول. وعلى أية حال، من فضلك، لا تدخل عليَّ أو تحاول النظر إليَّ وأنا أعمل أمام النول. وعدها الزوج بما طلبت، غير أنه عجز، أمام شدة الفضول، عن الوفاء بوعده فاسترق النظر إليها من خلال ثقب بباب غرفة النسج. فهل لك أن تتصور ما رأته عيناه؟
لم تكن زوجته اللطيفة هناك تعمل أمام النول، ولكن غرنوقاً رشيقاً أبيض اللون! كانت الغرنوق الأنثى قد فقدت نصف ريشها، وكانت تنزع ريشها الأبيض وتنسجه فيستحيل حريراً أبيض لامعاً. فزع الزوج وانطلقت منه، عن غير قصد، صرخة؛ فأدركت أنثى الغرنوق أن زوجها قد حنث بوعده، وابتعدت بجسمها الممشوق عن النول، قائلة: "وحيث أنك قد اكتشفت حقيقتي، فيستحيل عليَّ أن أبقى معك بعد الآن.. إنني أنا طائر الغرنوق الذي أنقذته في منطقة الجبال، وقد أتيت لأردَّ لك صنعك وإحسانك، غير أنني يتحتم عليَّ الآن أن أغادرك". ولم يلبث الطائر أن انطلق صاعداً إلى السماء الزرقاء.
__________________
تحياتي
همسس الررووح