الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الهادي محمد صاحب المعجزات وعلى اله واصحابه التقاة وبعد السلام عليكم ورحمة الله اخوة الايمان اعلموا أن الله جل ذكره ذكر النفس في غير موضع من كتابه ، منبه بمعاني كثيرة ، كلها تدل على الحذر من النفس . أخبرنا مولانا الكريم أنها تميل إلى ما تهواه مما لها فيه من اللذة ، وقد علمت أنها قد نهيت عنه . ثم أعلمنا مولانا الكريم من نهى نفسه عما تهوى فإن الجنة مأواه ،

قال الله تبارك وتعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ، فإن كان الله تعالى قد نهى عنه انزجر عنه ، فإن تابعته نفسه إلى ما زجرها عنه ، فليعلم أنه من الله عز وجل ببال ، وأن هذه نفس مرحومة ، فليشكر الله الكريم على ذلك

عن سعيد بن مسروق ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الشديد ليس الذي يغلب الناس ، ولكن الشديد من غلب نفسه » فإن قال قائل : فعلى ما أجاهد نفسي حتى أغلبها ؟ قيل له : تجاهدها حتى تلزم أداء فرائض الله عز وجل ، وتنتهي عن معاصيه .

فإن قال : صف لي من أخلاقها التي تميل إليه مما لا يحسن ، حتى أحذرها ، وأمقتها ، وأجاهدها ، إذا علمت أن فيها شيئا من تلك الخصال . قيل له : إن النفس أهل أن تمقت في الله عز وجل ، عن عبد الصمد بن يزيد ، قال : سمعت الفضيل بن عياض ، يقول : « من مقت نفسه في ذات الله عز وجل أمنه الله عز وجل من مقته »

قال أبو بكر الاجري : فإن قال قائل : فبين لي أخلاقها القبيحة . قيل له : هي الأخلاق التي قد استوطنتها النفس ، وليس تحب مفارقتها ، وهي أخلاق كثيرة إذا تصفح الإنسان نفسه وجدها كذلك . فإنها نفس متبعة للهوى . منهمكة في لذة الدنيا . باسطة لطول أمل عن قليل ينقضي . قليلة الاكتراث لأجل لا بد أن يغشى . راغبة في حب دنيا إذا أحبها قلب عبد قسى . زاهدة في دار نعيمها لا يفنى . محبة لأخلاق تعلم أنها مضرة بها غدا .

ضاحكة مستبشرة ناعمة بما عنه مولاها نهى . نفس تحزن على ما لم يجر لها به المقدور مما أملته من الدنيا صباحها والمسا . نفس يخف عليها السعي والكد في طلب الدنيا ، نفس تلذ بالفتور عن الخير الذي إليه مولاها دعا . نفس تهم بالنفقة في طاعة الله ، فيوعدها الشيطان الفقر ، فتميل إلى ما إليه دعا . نفس وعدها الله المغفرة ، والفضل فلم تثق ، ولم ترض .
نفس تثق بوعد مخلوق ، وعند وعيد مولاها تتلكا . نفس ترضي المخلوقين بسخط ربها ، وعن رضا مولاها تتوانى . نفس ندبها الله إلى الصبر عند المصائب ، تعزية منه لها ، فلا تقبل العزا . نفس تتصنع للمخلوقين بوفاء الوعد ، وفيما عهد الله الكريم إليها قليلة الوفا .

نفس تترك المعاصي بعد القدرة عليها ، حياء من المخلوقين ، وعند نظر الله العظيم إليها قليلة الحيا . نفس قليلة الشكر لله الكريم على نعم لا تحصى . نفس تستعين بنعم الله الكريم على معاصيه في صباحها والمسا . نفس يخف عليها مجالسة البطالين ، ويثقل عليها مجالسة العلما .

نفس تطيع الغاش ، وتعصي أنصح النصحا . نفس تسارع فيما تهوى ، وهي تتعلل بالتسويف للتوبة اليوم وغدا . قال أبو بكر محمد بن الحسين : من عرف من نفسه هذه الأخلاق ، وغيرها ، سارع إلى رياضتها ، بحسن الأدب لها ؛ ليردها إلى ما هو أولى بها من تقوى الله عز وجل ، في السر والعلانية ، بالندم الشديد ، والنزوع من قبيح ما صح عنده من هذه الأخلاق ، إن فيه شيء منها ، وإصلاح ما يستأنفه في طول عمره ، والله عز وجل الموفق لذلك

وتعميما للافادة لن اترك الموضوع يمر هكذا من غير ان اذكر لكم بعض ما قيل في مقدمة الكتاب محتصرا خوفا من التطويل قال ألم تسمعوا رحمكم الله إلى قول الله عز وجل : لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة الآية فالواجب على من سمع هذا من الله عز وجل أن يحذر من نفسه أشد حذرا من عدو يريد قتله ، أو أخذ ماله ، أو انتهاك عرضه . فإن قال قائل : لم ألزمتني هذا الحذر من النفس حتى جعلته أشد حالا من عدو وقد تبينت عداوته ؟ قيل له :

إن عدوك الذي يريد قتلك ، أو أخذ مالك ، أو انتهاك عرضك ، إن ظفر منك بما يؤمله منك فإن الله عز وجل يكفر عنك به السيئات ، ويرفع لك به الدرجات ، وليس النفس كذلك ؛ لأن النفس إن ظفرت منك بما تهوى مما قد نهيت عنه ، كان فيه هلكتك في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فالفضيحة مع شدة العقوبة ، وسوء المنزلة عند الله عز وجل مع سوء المنقلب في الآخرة . فالعاقل ، يرحمكم الله ، يلزم نفسه الحذر والجهاد له أشد من مجاهدة الأقران ممن يريد ماله ونفسه ، فجاهدها عند الرضا والغضب ، كذا أدبنا نبينا صلى الله عليه وسلم في غير حديث بقوله صلى الله عليه وسلم : « المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل »