أُمـاهُ ... يــا وَطني
بحر الكامل

(1)
أُمَـاهُ ... يـا دَمـع السَّـواحِـلِ في الغـُروبِ
عـيـنـاكِ آخِـرُ مـا رَأيتُ ... من الحَرارَةِ واللهيبِ
عـيـنـاكِ آخِـرُ مـا تبـقـَّى من أَعـاجـيـبِ الحُـقـوبِ
عـيـنـاكِ آخـرُ زَورَقَـيـنِ يُـسـافِـرانِ إلى دُروبــي
(2)
يـا مَـوطِـنَ الأَسـوارِ ... يـا بـوحَ الطـُّيـوبِ
يـا مَنْ تـُسـافِــرُ كُـلَّ عــامٍ ... في سَـمـاواتِ الغـُيــوبِ
هل كانَ مـكـتـوبـاً عَـلـيـنـا ...
أنْ نـَمـوتَ على الصَّـلـيـبِ ؟
أو أن نـكـونَ عَـبيدَهُـمْ ...
نبكي على المَجدِ السَّـلـيـبِ ؟
وَنـَصيحُ كالأطفـالِ ... نرجو عطفهم حيناً
وَنَـلـعَـقُ مـا تـَبَـقـَّى من حَـلـيـبِ ؟
(3)
أمَّـاهُ ... إنَّ الغـَدرَ ذئبٌ جائعٌ
والنـاسُ يملؤهـا الذهـولْ
والحـاكِـمُ ـ الجبـّـار ـ يَبطِشُ تارَةً ... وَيُقيمُ حّدَّاً للقـَتـيـلْ
أو تـارةً أُخـرى ... يُـعَـذبُ كُـلَّ نـاصِيَـةٍ ... يُـذيـلْ (1)
ويقولُ إنَ الظـُّـلـمَ مَـرتـَعُـهُ وَبـيـلْ
أُمَّـاهُ ... إنَّ الشَّمسَ خائِفـَة ٌ من الليلِ الطَويـلْ
الليلُ يَحمِـلُ خِـنـجَـراً للغَـدرِ لـيس لـهُ مَـثـيـلْ
أُمَّـاهُ ... لا لا يَـسـتـَـقـيـلُ اللـيــلُ ....
مهما حارَبَتهُ فـُوَيـقـَةُ الشَّفـَقِ الظَّـلـيـلْ
فالشـمـسُ إنْ غـابـت تـُسافر في أفول
أَوَ كُـلُّ نــورٍ للأُفـولِ ...فلا يدومُ ولا يَطولْ؟!!
(4)
أُمِّـي أجيبي ... فالجـراحُ تـَوَسَّـعـتْ
والجُـرحُ ضـاقَ بِـهِ المـكـانْ
أُمِّـي أجيبي طِفلكِ المَطعون في الأعماقِ ...
والذكرى ... يُجَدِّدُها الزَّمـانْ
أُمِّـي أجيبيني ... كفاكِ تـَكـَتـُّمـاً ...
فـالـمــرءُ يـأبــى أن يُــهــانْ
هل نحنُ في زَمَنٍ يُحَتـِّمُ أن نـَكونَ ...
كحاكِـمٍ كـَهْـلٍ ومَـقـطـوعِ اللِّـسـانْ ؟
هل يَرحَلُ الكـابـوسُ عن أحلامِـنـا
وَيَعـودُ وَجهُكِ مُشرِقـاً كالأُقحوانْ ؟
(5)
أُمَّـاهُ ... قد قـَتـَلوكِ أَسـوَأَ قـِـتـلـَةٍ
غَرَزوا سُيوفـَهُمُ كَسَيفِ أَبي لـَهَبْ
زَرَعوا خناجرَهُمْ وَمَصُّوا نصلَها...
في وَسْطِ خاصِرَةٍ وَرأسٍ مُـنـتـَصِبْ
أُمَّـاهُ لا تـَتـَنـهـّـدي وَجَعاً ... فصَدرُكِ مَوطِني
فيه العَـراقـَةُ والثـقـافـَةُ ... فيه يَنبوعُ الأدَبْ
وَعُـيـونـُكِ الزَّرقـاءُ بَـرقٌ مُـلتـَهـِبْ
أُمَّـاهُ ... قد فـتـنـوك ِ مثل فراشةٍ
والناس قد فـَرَّتْ ... ولا أَدري السَّبَبْ
(6)
أُمَّـاهُ ... هَيَّـا نستعن بالله كـي ...
يمحو ظلام الليل من أُفـُقِ الجَبينْ
أُمَّـاهُ ... بات العدلُ طِفلاً عـاجـزاً
وَمُيَتـَّماً في الحَربِ ... مَبتورَ اليَمينْ
كلُّ القـُضاةِ المُرتـَشينَ تـَبَجَّحوا
سَفـَكوا حُقـوقَ الكـادِحينَ المُعدَمينْ
فالكـونُ ـ يـا أُمَّـاهُ ـ أصبَـحَ كـاذِبـاً
والنـَّاسُ أمست في ثِـيـابِ مُنافِـقينْ
لم يَبقَ إلا سَقـفُ رَبِّـيَ ثـابِـتاً
فلنـَمضِ هيـّا ... مُـتـَّـقـيـنَ وتـائـبـيـنْ
كلُّ الجـِنـانِ استـَعمَروها ... لم تـَنـَلْ
شَفـَتـاكِ ... من عِنـَبٍ ... وزَيتونٍ ... وَتـيـنْ
الله يعرف أنـَّهُم قـَتـَلوكِ ... يـا نُـوَّارَتـي
سَرَقوا البَـلابِـلَ من شِـفـاهِـكِ ... فانمَحَتْ
كـَلِـمـاتُ شِـعـرِكِ من كِتـابِ العـاشِـقـيـنْ
أَسَـروا عُـيـونـَكِ بعدما ...
كاد البيانُ يَموتُ كي ...
يَجـِدَ التـعابير التي تـَرقى ...
ولا تـُـفـني حُـظـوظَ المُـعـجَـبـيـنْ
ـ أبَـداً ـ فلا تـَتـَحَـيَّـروا ...
إذ مــا بَـكـى ...
شَجَرُ الصَّـنـَوبَـرِ بعدها ...
وانـشَـقَّ عُـودُ الخـَيـزُران ِ...
وَمــاتَ زَهــرُ اليـاسَمـيـنْ
***************
إنَّ الطـفـولـَةَ حـَقُّ كُـلِّ الحـالِـمـيـنْ
إنَّ الـبَـراءَةَ حـَقُّ كُـلِّ مُـسـالِـمٍ ...
وَرَغـيـفُ خـُبـزٍ سـاخِـنٍ ...
حـَقٌّ لِـكـُـلِّ الجـائِـعـيـنْ
أُمَّـاهُ ... إذ يَكفيكِ فـَخراً ... أَنَّ شَمسَ الله تـَمنحك اليَـقـيـنْ
واللهُ يَشهَدُ أَنـَّهُمْ فـتـنـوكِ ...
إذ ظـَلـَمـوكِ ...
إذ صَلـَبـوكِ ...
إذ قـَتـَلـوا مُـروءَتـَهُمْ
والله خـَـيـــرُ الشــاهِـــديـــنْ .....
والله خـَـيـــرُ الشــاهِـــديـــنْ .....

  1. يذيل : يهين .

أنمار محمد محاسنة
3ــ 8/5/2006