من يحرر الوند من سجنه ؟
جريدة المستقبل العراقية في 27/8/2011


كاظم فنجان الحمامي

اغلب الظن أننا في العراق سنصحو من نومنا في يوم قريب يخبئه لنا مستقبلنا المتعثر, لنكتشف أننا أصبحنا بلا انهار, ولا جداول, ولا أهوار, ولا بحار, ولا بحيرات. وربما ستكتشف أجيالنا القادمة أن زعماء قبيلتنا هم الذين اختاروا الوقوف على التل, ولم يتصدوا لمخططات القبائل, التي نفذت ضدنا أبشع جرائم التجفيف والتزحيف والتحريف والتجريف, بحيث شملت بمخططاتها الأنهار العراقية كلها من (الزاب الأعلى) إلى (السويب الأغلى), وهم الذين كتبوا شهادات الوفاة, وحضروا مراسيم التشييع والدفن والعزاء, من دون أن يذرفوا دمعة واحدة على أرواح الجداول الميتة والمفقودة والمطمورة, ومن دون أن يتألموا على الأنهار التي وقعت في الأسر, أو التي تحولت إلى قنوات آسنة لتصريف المجاري الإيرانية, ومن دون أن ينتبهوا للمشاريع التركية الجبارة في هضبة الأناضول, فلم يعترضوا على مخططات السلطان الطيب (أردوغان) حامل لواء الإمبراطورية العثمانية الجديدة, ومساعيه الحثيثة لبناء أكثر من عشرين سداً فوق منابع دجلة والفرات, ولم يحتجوا على محاولات سوريا لجر نهر (دجلة), وتحويل مجراه من الأراضي العراقية إلى صحراء الحسكة بتمويل من الكويت, بل أنهم لم يبدوا حتى هذه اللحظة أي اهتمام بهذه الفاجعة الجغرافية المعقدة, التي عصفت ببساتين أرض السواد وحقولها, وقطعت شرايينها الاروائية من الشمال إلى الجنوب, ولم تكن الاحتجاجات الخجولة, التي أطلقتها بعض المنظمات الاجتماعية من باب التكسب السياسي تتناسب مع تاريخ ومستقبل الممرات الملاحية المهددة بالاختناق بعد اكتمال سدود ميناء مبارك, ولا تليق بتاريخ شط العرب, الذي فقد اسمه العربي, وتحول إلى مثانة عملاقة ممتلئة بفضلات مجاري مدينة عبادان والمحمرة, وهكذا تراوحت الموقف المتأرجحة بين التخاذل المتجدد والإهمال المتعمد.
فهذه خانقين تتعرض اليوم للاختناق, وهذا نهر (الوند) الذي كان من اكبر روابط الود بين أهلنا في (ديالى) يقتله العطش, ويفقد آخر قطره من مياهه العذبة, والى الشمال منهما يتلوى نهر (هوشياري) ألما وحزنا على مياهه التي صادرتها إيران في آخر مراحل مشروعها (الأفق الأزرق), الذي نفذته لتحويل مجاري الأنهر العراقية إلى داخل الأراضي الإيرانية لمسافات تصل إلى 800 كيلومتر.
بدأت إيران مراحل التجفيف بنهر (السويب), ثم جففت نهر الكرخة وفروعه, بعدها أجهزت على نهر الكارون ومنعته من الامتزاج بشط العرب, فحولت مساره إلى ترعة (بهمنشير) ليصرف مياهه من هناك إلى البحر مباشرة, ودأبت منذ بضعة أعوام على قطع مياه نهر (الوند) عن البساتين العراقية في (ديالى) خلال مواسم الصيف, ما أدى إلى تضرر أكثر من 700 ألف عائلة عراقية, ولم تكتف إيران بهذا القطع المتكرر, بل رأت أنه من الأفضل لها تجفيف تلك الأنهار, وترك الأراضي العراق المروية قاعاً صفصفاً.
ينساب نهر الوند من أعلى قمة جبل (الوند), الذي لم يزل يحمل فوق أكتافه نقوش (داريوش) في سلسلة جبال زاكروس, ولهذا النهر أسماء كثيرة, منها: الون, وألوان, وحلوان, وهلوان, وهلمان, إلا أن أقرب الأسماء إلى الشيوع والتداول بين عامة الناس هو (ألوَن), والاسم في اللغات القديمة يعني (العلياء), ويلتقي مع شقيقه نهر (سيروان) ليكونا معا نهر (ديالى).
يتمرد هذا النهر الهادئ في موسم الشتاء والربيع من كل عام, فيسميه الناس (الوند المجنون), بسبب تهوره وهيجانه وطغيانه, وقد تصل به الرعونة إلى إلحاق الإضرار بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة, بيد أن أضرار تلك الفيضانات الموسمية لا يمكن مقارنتها بمصيبة الجفاف مهما بلغت الفيضانات من العنف والقوة, فالنهر بأكمله يقبع اليوم في السجون الإيرانية الواقعة بين وديان جبال زاكروس, وينتظر من يحرره من هذه القيود التعسفية, فهل ستنصاع إيران لمتطلبات الجيرة والجوار, وتطلق سراح نهر (الوند), وتفك قيوده لينساب في مجراه الطبيعي بين بساتين ديالى ؟, أم أنها ستطارد شقيقه (سيروان) وتمنعه من الجريان في ظل السكوت المطبق الذي يعم أرجاء القبيلة ؟. . .

سؤال
متى تتقدم الحكومة العراقية بشكوى رسمية في المحافل الدولية ضد الأقطار التي قطعت عنا الجداول والسواقي من منابعها, وجففت الأنهار والروافد, وتسببت في تعطيشنا وتدميرنا وتجويعنا وتشريدنا ؟؟.