خلفاء السوء.. بني أمية وبني العباس
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وأل محمد وعجل فرجهم الشريف
مرت على الشيعة أدوار رهيبة وقاسية امتحنوا فيها امتحانا عسيرا وشاقا، فقد أمعنت السلطات الحاكمة في العصر الأموي والعباسي في التنكيل بهم، ومعاملتهم بجميع ألوان القسوة والعذاب فاضطهدوا اضطهادا رسميا أيام حكم الطاغية معاوية، وقد روى الإمام أبو جعفر صورا مذهلة عما جرى على شيعتهم أيام معاوية، قال: (وقتلت شيعنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب أو هدمت داره)(1).
ويصور لنا الشاعر الكبير عبد الله بن عامر المعروف بالعبلي الاضطهاد الذي عاناه بسبب حبه لأهل البيت (عليهم السلام) يقول:
شردوا بي عند امتداحــــي عليا .. ورأوا ذاك فــي داءا دويــــا
فو ربي ما أبرح الـــدهـر حتـى .. تمتلئ مهجـتـي بحبــي عليــا
وبنيـــة لحـــب أحــمــد إنــــــي .. كنـــت أحببتهــم بحــبي النبيا
حــب ديـن لا حب دنيا وشـــــر .. الحـب حــب يكــون دنيـــويــا
صاغني الله في الذؤابة عنهـم لا ذميمــا ولا سنيـــدا دعــيـا
أرأيت ما عاناه العبلي من الاضطهاد والتشريد لحبه سيد المتقين الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو مع ذلك لم يغفل ما عاناه.... لقد أحب أهل البيت (عليهم السلام) وأخلص لهم كأعظم ما يكون الإخلاص، ولم يكن ذلك عن هوى أو عاطفة وإنما كان من أجل الدين فرض ولاء العترة الطاهرة على جميع المسلمين.
وشار النمري في بعض قصائده إلى اضطهاد الشيعة من أجل مودتهم لعترة النبي (صلى الله عليه وآله) قول:
آل الـــنبــي ومــن يحبهـــــم .. يتضامنــون مخافــة القتــل
أمن النصارى واليهود وهم .. عــن أمـة التوحيد في عزل
لقد كانت جميع الأديان والمذاهب تنعم بالأمن والاستقرار إلا شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فقد صبت عليهم السلطات جميع ألوان القسوة والعذاب، وقد سئل الإمام أبو جعفر الباقر فقيل له:
كيف أصبحت؟
فأجاب بمرارة وألم:
(أصبحت برسول الله (صلى الله عليه وآله) خائفا و أصبح الناس كلهم برسول الله (صلى الله عليه وآله آمنين)(2).
ونسبت أبيات من الشعر لبعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تحكي ما عانوه من المحن والخطوب يقول:
نحن بنو المصطفى ذوو محن .. يجـــرعها في الأنام كاظمنــا
عظيمـــة فـــي الأيام محنتنــا .. ولنــا مبتلـــى وآخـــرنـــــــــا
يفرح هذا الورى بعيــدهـــــم .. ونحـــن أعيادنـــــا مآتمنــــــا
إن الأعياد الإسلامية التي يفرح بها المسلمون كعيد الفطر والأضحى قد عادت مأتما على أهل البيت (عليهم السلام) وأحزانا، وذلك لشدة مالا قوه من حكام عصورهم من القتل والسجن والتنكيل.
وروى المؤرخون أن الفضل بن دكين كان يتشيع فجاء إليه ولده وهو يبكي، فقال له:
(مالك؟)
(يا أبتي إن الناس يقولون: إنك تتشيع؟)
فأجابه الفضل:
ومـــــا زال كتــــمانيك حتــــــى كأننـي .. بـــرجــــــع جـــواب السائــــل لأعجم
لأسلـــــم من قـــــول الوشاة وتسلمي .. سلمت وهل حي على الناس يسلم(3)
لقد كان الاتهام بالتشيع في العصر الأموي مما يستوجب النقمة والبطش من المسؤولين, فقد روي المؤرخون أن الاتهام بالكفر والزندقة والمورق من الدين أهون من الاتهام بالتشيع وبلغ الأمر أن من يسلم من العلويين على شخص يعرضه إلى التنكيل والبطش من قبل السلطة. ويحدثنا الرواة أن إبراهيم بن هرثمة دخل المدينة فأتاه علوي فسلم عليه، فقال له إبراهيم: تنح عني لا تشط بدمي(4).
وبلغ من عداء الأمويين للعلويين أنهم عهدوا إلى ولاتهم وعمالهم بقتل كل مولود يسمى عليا، ومن طريف ما ينقل أن علي بن رباح لما سمع ذلك خاف من القتل، وجعل يقول: لا أجعل في حل من سماني عليا فإن اسمي عُلى ـ بضم العين ـ(5).
لقد كانت محنة الشيعة في العصر الأموي شاقة وعسيرة فقد واجهت أعنف المشاكل وأقساها, وكذلك واجهت نفس الدور في العصر العباسي, ومن تلك الصور المفجعة أنه إذا أراد شخص الكيد لأحد والانتقام منه دس إليه من يرميه بالتشيع فتصادر أملاكه وتنهال عليه العقوبات حتى يظهر البراءة من الرفض(6).
وعلى أي حال فقد أمعنت السلطات الحاكمة في العصر الأموي والعباسي في قتل شيعة أهل البيت والتنكيل بهم، فزياد بن أبيه تتبع الأبرار من الشيعة فقتلهم تحت كل حجر ومدر فقطع أرجلهم وأيديهم وسمل عيونهم، وصلبهم على جذوع النخل، والسفاح الإرهابي الحجاج بن يوسف الممسوخ قتل في أيام حكمه من الشيعة مائة وعشرين ألفا، وتوفي في سجونه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة منهن ستة عشر ألف امرأة عارية مجردة من الثياب، وقال فيه النجيب الشريف عمر بن عبد العزيز: (لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم).
وفي العصور المتأخرة واجهت الشيعة أعنف المشاكل وأقسى الضربات فقد أشاع المجرم السلطان سليم القتل في شيعة أهل البيت بواسطة فتوى أحد فقهاء الضلال والفساد(7). ويقول الإمام شرف الدين إن الشيخ نوح الحنفي أفتى بكفر الشيعة ووجوب قتلهم، فقتل من جراء ذلك عشرات الألوف من شيعة حلب وغيرهم، وتشرد من سلم من شيعة حلب حتى لم يبق بها شيعي واحد، و كان التشيع فيها راسخا ومنتشرا(8).
وفي أيام السلطان بيبرس سنة( 665 ) صدرت أوامره بإتباع المذاهب السنية الأربعة، وتحريم ما عدها، كما صدرت أوامره بأن لا يولى قاض, ولا تقبل شهادة شاهد، ولا يرشح لوظيفة الخطابة أو الإمامة إلا من كان مقلدا لإحدى تلك المذاهب(9). و على أي حال فقد أمعن الحكام الظالمون باضطهاد الشيعة ولتنكيل بهم لأنهم كانوا الجبهة المعارضة لسياستهم التي ليس فيها بصيص من العدل والحق.