شعارات
حيدر محمد الوائلي
من (الشرطة في خدمة الشعب) إلى (الشرطة والشعب في خدمة القانون) تحول الشعار، بين ليلة ونهار.
القانون هو تنظيم وقواعد لتحقيق خدمة للناس، والناس من تصنع القانون، فالقانون جماد يقدم خدمة لكائن حي (الإنسان)، وهو مجرد تنظيم وليس رباً يُعبد، فالقانون وسيلة وليس غاية.
وفي التشريع الإسلامي لا يوجد من يعبد تشريعات الإسلام وإلا تعد عبادته خاوية وفارغة (وما أكثرها)، بل أن يعبد رب هذه التشريعات والله من وراء القصد في التشريع، والله شرعها لتنظيم حياة الناس وخدمة لهم ولتهذيب سلوكهم وتقويمه ولحسن التصرف والطاعة.
في أحد الأيام وأنا مار قرب مركز للشرطة قديم ومتهرئ ومتسخ وعارضة حمايته غير نظامية وشرطة الحماية (المساكين) مشغولين بوسيلة تقيهم دائماً من حر الصيف وبرد الشتاء فهم بشر أولاً وأخيراً، ومن ثم يريدونه ان يكون يقظاً منتبهاً لأي وضع مريب...!!
في أحد تلك الأيام وأنا بقرب مركز الشرطة هذا الذي تتوسط مدخله عبارة مخطوطة ومعلقة ومكتوب عليها: (الشعب والشرطة في خدمة القانون)...!!
لقد أزالوا عبارة: (الشرطة في خدمة الشعب)، وللأبد...!!
ربما أكتفى الشعب من خدمة الشرطة إليه لكي يكون ممتناً وفرحاً بأن يكون هو والشرطة في خدمة القانون...؟!
ولكي يتحول التطور والازدهار بسبب ذلك الى أن يخدم (الشرطة والشعب) (القانون)...!!
من المفترض أن يتم تشريع القانون لحماية ولخدمة الشعب وكلمة (الشعب) شاملة للشرطة والجيش وكل الناس.
فمن يخدم من؟!
القانون يُحترم لأنه يؤدي خدمة للناس، وليس (الناس) يتم إحترامها لأنها تؤدي خدمة (للقانون)، ولو خالف القانون فرداً، فهل يصبح مبرراً ولزاماً تطبيق القواعد الصارمة على الناس ومنها المهين والممل والمذل والغير مبرر لمجرد أن فرداً خالف القانون، فلماذا لا يُعاقب المسيء ليكون عبرة لغيره من دون أن يفرض القانون فرضاً بالقوة على الآخرين.
ومن أمن العقوبة أساء الأدب.
لا خير في قانون لا يحمي شعبه ولا يصرخ بحقوقهم ويدافع عنهم، ولا يكون فيه الناس سواء.
ولا خير في قانون لم يحفظه من هم واجبهم تشريعه وصيانته وحفظه وتقديسه والأجتهاد في تشريع أحسن ما يكون لخدمة الشعب.
ولا خير في قانون يعاقب الموظف البسيط على أي غياب يقوم به ويقطع راتبه ووفقاً للضوابط وللقانون...!! ولكن هذا القانون أصابه العمى لغياب كبار المسؤولين وسفراتهم والعشرات العشرات من غيابات أعضاء البرلمان ومجالس المحافظات ويومياً وبإستمرار وبالرغم من ذلك تدفع لهم الدولة (وبالقانون) ثمن غياباتهم رواتباً خيالية وبكل إحترام...!!
قانون يعاقب من يخالف خط السير والمرور ومن لا يلتزم بقواعد المرور، ولكن ولدى مرور مواكب حمايات المسؤولين وصفارات سياراتهم تصدح وسرعتهم الأستفزازية في تخطي السيارات، فيغض النظر عن كل ذلك...!!
والنزاهة تعاقب وتصفح تبعاً لكبر المنصب وحجم الشخصية وصغرها وكبرها فالصغير في نار النزاهة والكبير في جنتها...
وأكثر الظن أن تم نسيان فساد الوزراء والمسؤولين السابقين أيام حكومة الدكتور أياد علاوي والتي فاقت فساد وزراء ومسؤولين الحكومة الحالية، ليصبح الفاسدين بالأمس رافعي شعار النزاهة اليوم...!!
صفقات بمليارات الدولارات لوزارة الكهرباء أيام حكومة د. أياد علاوي ووزيرها (أيهم السامرائي) ووزير دفاعه (حازم الشعلان) تم نسيانها لينشغلوا بفساد وزارة التجارة السابق (عبد الكريم السوداني) في الحكومة السابقة لرئيس الوزراء نوري المالكي حالية وفساد وزارة الكهرباء (رعد شلال) في الحكومة الحالية برئاسة السيد نوري المالكي للمرة الثانية وبصفقة خيالية (مليار وسبعمائة مليون دولار تعقد مع شركة وهمية)...!!
وسوف يتم نسيان حتى هذه قريباً فهم يشغلون الشعب بمشاكلهم وصراعاتهم السياسية والفاسدين هم الرابحين...!!
أهذا هو القانون الذي (الشعب والشرطة) في خدمته...؟!
وماذا عن الفساد لتحصيل التعيينات...؟!
أسألوا الناس في الشوارع وأعملوا استفتاء عشوائي، وسلوهم: كم منهم دفع (رشوة، إكرامية، هدية، واسطة) لتحصيل تعيين أو لتسهيل سير معاملة أو خدمة في الشرطة والجيش والتربية والقضاء ودوائر البلدية وغيرها...
فقط إعملوا إستفتاءاً...
وستجدون النتيجة واضحة لذي عينين بوجود فساد في مؤسسات هي عماد القانون...
جاء مستثمر لمدينتي وهو من أصل من مدينتي ولكنه مجنس كويتي وأراد أن يخدم المدينة بأن يبني لها محطة كهربائية إستثمارية، فلم توافق وزارة الكهرباء ووزيرها (كريم وحيد) الذي هو من نفس مدينتي بحجة عدم وجود منافس معه...!!
القانون بصير...!!
ولكن لتوقيع عقد بملايين الدولارات لتجهيز محطة كهربائية من قبل نفس الوزير (كريم وحيد) فتم التوقيع على تجهيز قطع المحطة ولم يوقع الوزير بأن يلزمهم بنصبها...!!
ليتم تخزين القطع في المخازن منذ سنوات ولليوم ويبحثون الان عن شركة جديدة يتعاقدون معها لنصب قطع المحطة تلك، حيث يتمتع السيد الوزير بعوائد عمله الوزاري السابق في خارج العراق مع العائلة الكريمة وراتبه التقاعدي كريم أيضاً...!!
القانون أعمى...!!
وأما إنشاء الشوارع والأنفاق والجسور للقضاء على أزمة الأزدحام، ولبناء المجمعات السكنية العملاقة للقضاء على أزمة السكن والبيوت التي يسكنها الأب وأولاده الأربعة المتزوجين بنفس البيت ومساحته (200) متر يزيد وينقص، فلا يوجد...!!
صرّح وزير الأسكان العراقي الحالي (محمد الدراجي) بأن حاجة العراق هي (2 مليون وحدة سكنية)...!!
وتصوروا أن كل المجمعات السكنية التي تم تشييدها في العراق وفي غضون ثمان سنوات أعقبت سقوط نظام الظلم السابق هي لا تتجاوز العشرة الاف وحدة سكنية فقط...!!
في روسيا وفي موسكو تحديداً تم بناء حوالي (10) مليون وحدة سكنية في سنة واحدة فقط...!!
وكما روسيا غنية بخيراتها فنحن أغنياء بخيراتنا ولكن تختلف القيادة وطريقة التعامل مع تلك الخيرات...!!
خيرات لم تأتي بالخير بل بالنقمة، بل جاءت بصراعات لا ناقة للشعب فيها ولا جمل...!!
ونار العراق التي صار وقودها الناس وعوائد النفط، فكلما زاد سعر برميل النفط وكلما زادت صادرات النفط زاد الأنقطاع في التيار الكهربائي، وتراجعت الخدمات، وقلت الحصة التموينية، وقلت حصة التعيينات!!
(كم بأسمك يا قانون تقترف الآثام)...!!
فهذا درس لنا جميعاً لإعادة النظر في (بعض) من انتخبناهم ولنراجع فكرنا فالتفكير عبادة بل أرقى عبادة...
فكل من نندد به ونتظاهر عليه ونشهر به ونطعن فيه (اليوم) قد انتخبناهم (بالأمس) في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجلس النواب بنسبة إنتخابات وصل نسبة المشاركة فيها للـ(63%).
تم إنتخابهم أما عن إستعجال أو وعود كاذبة أو توجه ديني فئوي لجهة معينة بغض النظر عن مرشحيها أو عن جهل، فهذا ما جنيتموه على أنفسكم بانتخابكم إياهم، ففكروا بذلك وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين...
ولمن تعثر مرتين سابقتين فهي عضة ودرس لكي لا يعثر مرة ثالثة فيكون أغبى الأغبياء بأمتياز...!!
وأرجو تغيير الشعار أعلاه ليصبح (الشرطة والقانون في خدمة الشعب) فنحن شعب نعشق الشعارات، ونكره التطبيق...!!