اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد
عمره اكثر من سبعين عاما.. وكلما مرت السنين يزداد الناس اهتماما به.. ويحافظ على تراثه وتاريخه الطويل.. سوق النجف الكبير.. معلم من معالمها.. والقادم لزيارة مرقد الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من جهة الشرق.. لابد له ان يمر بهذا السوق.. في هذا السوق تتنوع المحال التجارية.. باختلاف مهن اصحابها.. فهناك (سوق الصياغ) و(سوق الصفافير) و(سوق المســـابج) و(سوق العبايجية) و(سوق الصرافة) و(سوق العطور).
عند خروجك من مرقد الامام علي (عليه السلام) باتجاه السوق الكبير يستقبلك (سوق العطور) او ما يطلق عليه (سوق الريحة).. روائح طيبة.. وقناني صغيرة وكبيرة.. اقتربت من احد الباعة وسألته هل يمكنني معرفة كيفية صناعة العطور هنا؟ فقال لي: مرحبا بك في النجف، اسمي ثائر العكراوي.. لدينا عطور الرازقي.. والقداح والورد المحمدي.. ومسك الحضرة.. والاخير يستخلص من غابات ايران..ودم الغزال، وكان هذا العطر مشهوراً في الهند.. وهناك رواية تقول ان نبي الله آدم استخلص هذا العطر من (صرة الغزال) اثناء صيد الغزلان.. حيث ان هذه الغزلان تعمد على حك صرتها بالصخرة فتترك مسحوقا على هذا الصخر ذا رائحة طيبة، فيعمد الناس على جمع هذا المسحوق وصناعة العطر منه..
ثم سألته.. هل تصنعون هذه العطور الآن.. فقال.. الان لم يعد هناك صناعة تامة للعطور.. بل دخل المستورد الى السوق.. فاصبح المصنّع قليلاً.. لكن سوق النجف يستشر بوجود عطور نادرة غير موجودة في باقي الاسواق مثل (دهن العود الكمبودي) الذي يمتاز بغلاء ثمنه..
تركنا سوق العطور.. واتجهنا نحو سوق الصياغة.. التي تألقت بانوار محالها.. وقلائد الذهب التي توزعت على واجهات المحال.. تحدث لنا السيد علي مرتضى الحكيم قائلاً:
صياغة الذهب في النجف مشهورة.. وصياغ النجف مشهورون باجادتهم لهذه الصناعة.. كما ان ذهب النجف مشهود له بالجودة وقلة المغشوش فيه.. وهناك نساء يحضرن الى هذا السوق قادمات من محافظات العراق لشراء المصوغات الذهبية من هذا السوق.. حيث يفضلن مصوغات النجف.. كما ان العديد من الزوار والسياح العرب والاجانب يقبلون على شراء المصوغات الذهبية من هذا المكان..
بعد اطلاعنا على معروضات الصاغة.. اتجهنا نحو منتصف السوق.. وتزاحمت الازقة الضيقة المحاذية للسوق.. سوق الكرزات و(عكد المسابج) و(سوق الصفافير) و(سوق الالبسة).. و(سوق العبايجية).. وغير بعيد عن هذه الاسواق توزعت محال بيع (الدهين) الذي اشتهرت به النجف..
قلت للسيد حيدر القراز.. بائع دهين وهي حلاوة النجف الشهيرة.. بماذا تتميز هذه الحلويات؟ فقال: دهين النجف.. اشهر من نار على علم.. و لدينا زبائن منذ مئات السنين ما زالوا يترددون على محالنا.. وصناعة الدهين تتطلب نوعاً من المهارة.. والخبرة.. والحمد لله اصبح في النجف مئات الاشخاص الذين توارثوا صناعة الحلويات، بعد ان كان باعة هذه الحلويات لا يتجاوزون عدد اصابع اليد..
سوق النجف الكبير رغم الاحداث الدامية والحروب التي شهدتها النجف ظل قائماً شامخاً وسط المدينة.. وفي تصاميم الاعمار الجديدة للمدينة تم ازالة اجزاء من هذا السوق.. وما زال القلق ينتاب بعض الكسبة الذين يعيشون فيه ان تتسبب التصاميم والخرائط الجديدة للنجف في ازاحة هذا السوق الذي شهد وقائع تاريخية عديدة من احداث النجف.