كاظم فنجان الحمامي
انصفونا يا منصفين وانصفوا عالية نصيف, فليس من العدل والإنصاف أن تصادروا حقوقنا المشروعة بالدفاع عن أرضنا وحدودنا ومياهنا, وليس من العدل أن تسمحوا لدول الجوار بالتطاول علينا والتجاوز على حقوقنا, وتمنعوننا في الوقت نفسه من ممارسة حقنا الطبيعي بالرد عليهم وإسكاتهم. .
لقد كان صوت السيدة عالية واحدا من تلك الأصوات, التي عبرت عن هموم العراق وأوجاعه, ولم تقل أكثر مما قاله البروفسور الاندونيسي السيد مختار كوسوما اتمادجا (Mochtar Kusumo Atmadja), ذلك الرجل الذي أنصف العراق فأنصفه التاريخ عندما رفض الرضوخ لرغبات الطامعين بثروات العراق, ولم ينحاز للكويت على حساب الحقوق العراقية, ولم يفرط بمياه العراق الإقليمية وممراته الملاحية, ولم يشترك في جريمة تضييق الخناق على موانئنا, فاستحق أعلى درجات التكريم والتقدير, ونال أرفع أوسمة الشرف, وكتب اسمه في سجلات الفرسان العظام. .
لم يكن هذا الرجل عربياً, ولا عراقياً, وإنما كان إنسانا واعياً متحضراً شريفاً عفيفاً نزيهاً صادقاً متجرداً من الشبهات, سخر مواهبه العلمية لمناصرة الحق والعدل والإنصاف, ومقارعة الظلم والباطل والشر, ووقف وقفته الشجاعة عندما فضح ضلالة مجلس الأمن, فقدم استقالته إلى المستشار القانوني للأمم المتحدة, وبيّن فيها أن تخطيط الحدود البحرية العراقية الكويتية ليس من اختصاص اللجنة, ولا من واجباتها, وان الإحداثيات المقترحة في قطاع خور عبد الله لم تجر الإشارة إليها لا في المرتسمات القديمة, ولا في الحديثة, وبالتالي عدم وجود أي تحديد للحدود البحرية يمكن أن تتخذه اللجنة سبيلا, وأوضح هذا الرجل الشجاع موقفه الثابت في رسالتين موجهتين إلى الأمين العام نفسه, عبَّرَ فيهما عن وجهة نظره وتحفظاته على شروط صلاحية اللجنة, وأشار في رسائله إلى مناقشاته العديدة والمضنية مع المستشار القانوني في الأمم المتحدة حول صلاحية اللجنة ومآربها الخفية. .
كان هذا الرجل صريحاً وواضحا في موقفه الرافض لإجراءات اللجنة التي رسمت ملامح القرار الباطل (833), فقال كلمته على رؤوس الإشهاد, ووضع أصبعه في عيون القوى الاستعلائية الغاشمة, من دون ان يرف له جفن, على الرغم من كل المغريات المادية والمعنوية, ومن دون ان يخاف في قول الحق لومة لائم, فتنحى عن رئاسة اللجنة, وغادرها بجبين ناصع, وجبهة مرفوعة, ولم يلوث سمعته في مصادرة حقوق العراق الشرعية. .
ثم تبلورت المواقف الوطنية ووقفنا كلنا ضد الانتهاكات الحدودية على مسطحاتنا البحرية وممراتنا الملاحية, ووقفت معنا (عالية نصيف) بشجاعتها المعهودة, فتصدت للتجاوزات الكويتية, وعبرت بصراحة عن مواقفها الوطنية, وعرفها الناس بدفاعها المستميت عن مياهنا الإقليمية, وهذا هو واجبها وواجب كل عراقي شريف يرفض الضيم ويقارعه ولو بلسانه, وأن لا يجامل دول الجوار على حساب مصلحته الوطنية. .
فهل يلام الإنسان على مواقفه الوطنية الشجاعة ؟. وهل تفسر مواقفه الوطنية على إنها دعوة متطرفة لإثارة الشغب. .
إذا كان الأمر كذلك, فلماذا لا ترد المؤسسات المعنية في العراق على الشتائم التي تكيلها ضدنا الصحف الكويتية, ولماذا لا تقاضي الصحف التي تصاعدت نبرتها في الأيام الأخيرة على خلفية المواقف العراقية الشعبية الرافضة لمشروع ميناء مبارك.
راجعوا ما نشرته جريدة (السياسة) الكويتية الصادرة في 17/7/2011 , واقرءوا مقالتها التي حملت عنوان (غربان الشمال) بقلم: صالح الغنام, وكيف يصفنا فيها بالغربان المشئومة, ويوصي حكومته بضرورة ((إبقاء الخلافات الداخلية دائرة ومشتعلة في العراق, حتى ينشغل أهل العراق بأنفسهم, وينصرفوا عن الكويت)), ويوصيها بحشد طاقاتها كلها لزعزعة الأمن في العراق, وبث الفرقة بين أبناء الشعب العراقي, ويوصيها بإذكاء نيران الفتن القبلية والمذهبية والطائفية, وتأجيج الصراع بين الفئات المتنازعة, وتشجيعها على التناحر مع بعضها البعض.
واقرءوا على صفحات جريدة (الوطن) في 20/7/2011 مقالة أخرى تحمل عنوان: (ألو الحجاج ؟), بقلم الكاتب الموتور (مفرج الدوسري), يجري فيها مكالمة هاتفية وهمية مع الحجاج بن يوسف الثقفي, ويطالبه فيها بالنهوض من قعر جهنم, والعودة ثانية إلى العراق, لكي يقطع رقاب الناس هناك, ويقتلهم بالجملة إرضاءا للأحقاد التي يحملها (مفرج الدوسري) ضد الشعب العراقي الصابر المجاهد. .
ثم يعود (مفرج) نفسه على صفحات جريدة (الوطن) ليكتب مقالة أخرى في 29/2/2011, تحمل عنوان: (أيتام صدام والردح الكاولي), يبتدئها بالهجوم على الحكومة العراقية الحالية ويصفها بالفشل, بقوله: (مازالت السلطات العراقية مستمرة في إلقاء تبعات فشلها وإخفاقاتها على الكويت), ويصنف فيها الشعب العراقي إلى ثلاثة أصناف, فهم في نظره, أما (أيتام لصدام), أو (عملاء لإيران), أو (رعاع ومغفلين), ويواصل من خلال تلك المقالة استغاثته مرة أخرى بالحجاج للانتقام من العراقيين والبطش بهم.
واقرءوا على صفحات جريدة (الرأي) في 24/7/2011 مقالة بعنوان: (الفاو وأم قصر المحتلة), بقلم (فهيد البصيري), والتي يبتدئها بهذه العبارة العدوانية الشمولية الجازمة: (لن يتوقف العراقيون عن حماقاتهم إلا إذا توقف كوكب الأرض عن الدوران), ويستخف في مقالته بتاريخ الدولة العراقية, وينتقص من مكانتها السياسية والتاريخية, ويتهكم على الحضارية السومرية, وينعتها بأبشع النعوت, يسميها (الحضارة الحومرية) نسبة (للحمير) أعزكم الله, ويزعم أن الفاو وأم قصر والزبير ممتلكات كويتية صرفة, ويناشد الحكومة الكويتية بضرورة العمل على استعادتها, واستردادها من قبضة العراق.
واقرءوا على صفحات جريدة (الوطن) في 30/7/2011 مقالة استفزازية أخرى, بعنوان: (العراق الجديد بنفس نوايا صدام), بقلم (وليد بورباع), وفيها يتجنى الكاتب على الشعب العراقي بطريقة سافرة, ويتطاول عليه بعبارات جارحة وألفاظ نابية.
واقرءوا مقالة الكاتب الكويتي المتهتك (فؤاد الهاشم) على صفحات صحيفة (الآن) الكويتية, والتي يشتم فيها الشعب العراقي بكلام فاحش لا يصدر إلا من حاقد يبول من فمه, وهذا مقطع من كلامه البذيء:-
((العراق يشبه الكلب الضعيف المربوط بشجرة, ينبح على الكويتيين ليل نهار, ليس لديه طائرات قاذفة مقاتلة, ولا دبابات, ولا قوات برية, ولا بحرية, ولا يستطيع, ولا يجرؤ أيضاً, لفعل أي شيء ضد الكويت للمائة سنة القادمة, مع الوجود الأمريكي عند الطرفين)).
ونحمد الله, أننا في العراق لم نهبط إلى هذا المستوى الرخيص في التراشق الإعلامي, ولم نتطاول على الشعب الكويتي الشقيق مثلما تطاول علينا محمد بن إبراهيم الشيباني, ومفرج الدوسري, وصالح الغنام, وفهيد البصيري, ومحمد الجدعي, وفؤاد الهاشم, وعوض المطيري, الذين بالغوا في الاستخفاف بالشعب العراقي وفي الإساءة إليه, ونحن عندما طرحنا أفكارنا الرافضة لإنشاء ميناء مبارك في هذا الموقع الحرج, الذي يتقاطع مع مسارات الخطوط الملاحية الوحيدة المؤدية إلى الموانئ العراقية, كان رفضنا مبنيا على الأسس العلمية والتشريعية والملاحية والجيولوجية والحدودية, وكان اعتراضنا مدعوماً بالشواهد التاريخية الراسخة في ذاكرة خور عبد الله, فجاءت أفكارنا متطابقة تماما مع الأفكار الكويتية الرافضة لهذا المشروع, بل إننا لم نتطرق إلى سلبيات ميناء مبارك مثلما تطرق إليها النائب الكويتي المتشدد (وليد الطبطبائي) بمقالته التي نشرتها جريدة (الوطن) الكويتية في 27/7/2011, وكانت بعنوان: (ميناء بوبيان. . فكرة غير مناسبة), والتي فنَّدَ فيها فكرة المشروع, وتوقع فشله في المستقبل القريب لأسباب بيئية وملاحية وأمنية ومالية وإستراتيجية, وحذر من تفجر الأوضاع الحدودية عند تقاطعات المسارات الملاحية المتشاطئة. واختتم الطبطبائي مقالته بجملة من الحلول والمقترحات طرحها على الحكومة الكويتية, تلخصت: (باختيار موقع بديل للمشروع, بحيث يكون خارج مناطق التوتر, أو اللجوء إلى الاستفادة من الأموال المهدورة في جزيرة (بوبيان), وتوظيفها في توسيع مينائي (الشعيبة), و(الدوحة), أو نقل المشروع إلى جزيرة (فيلكا) واستغلال موقعها البحري العميق, وإنشاء جسر (بحري - بري) بين الكويت وجزيرة (فيلكا), والسعي لربطها بخطوط السكك الحديدية لنقل الحاويات من والى الجزيرة, أو تزحيف موقع المشروع ونقله إلى الطرف الجنوبي من جزيرة (بوبيان), على أن تكرس الحكومة الكويتية جهودها لتحويل الموقع الحالي للمشروع إلى قاعدة بحرية عسكرية كويتية متقدمة, تكون على أهبة الاستعداد عند خطوط المواجهات الساخنة مع إيران أو مع العراق), فإذا كانت بعض الأصوات الكويتية المنصفة تتفق معنا في رفض فكرة ميناء مبارك, فلماذا تمنعوننا من ممارسة حقنا الطبيعي في الدفاع عن مصالحنا المستقبلية ؟, ومن ذا الذي سيقاضي الصحف الكويتية على حملات السب والشتم التي ماانفكت تشنها علينا, والتي تتهجم فيها على الشعب العراقي بأساليب سافرة ؟.
وهل اطلعت الحكومة العراقية على نصوص المقالات الكويتية, التي تنعتنا بالرعاع والغربان والكاولية, وتتهمنا بالعمالة والتخلف ؟. وهل قرأ أعضاء البرلمان الكتابات الكويتية, التي تشوه تاريخنا, وتستخف بحضارتنا, وتنعتنا بأبشع النعوت والصفات ؟؟. .
ختاما نقول إذا كان البرلماني لا يحق له التصريح, ولا المطالبة, ولا حتى توجيه اللوم ؟, فمن ذا الذي يدافع عنا ولو بالكلام أو حتى بالهمس إذا وقع ما لا يحمد عقباه ؟, وما الذي سنقوله إذا وقعت الكارثة وصار العراق من الأقطار المغلقة بحريا, وهو الذي كان سيد الخليج العربي كله (خليج البصرة) قبل أقل من نصف قرن ؟, حتى بسط نفوذه على الخطوط الملاحية الممتدة من (رأس البيشة) جنوب الفاو, إلى (رأس مسندم) في مضيق هرمز. .
والسؤال الأخير هو: ما الذي يمنع وزارة الخارجية العراقية من عرض قضية الحدود البحرية على أنظار المحكمة الدولية ؟. وما الذي يمنعها من الاستئناس برأي الوزير الاندونيسي المتقاعد (المختار) باعتباره من أهم الشهود على سوء النوايا الدولية, التي حرمت العراق من حقوقه السيادية في خور عبد الله ؟؟؟؟. .