من راوائع القصائد بحق اهل البيت (ع)
هو ابو علي دعبل بن علي بن رزين الخزاعي عرف عنه من اجرأ شعراء اهل البيت حتى اطلق كلمته المشهورة ((أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين عاما لست اجد احدا يصلبني عليها)). وقيل للوزير محمد بن عبد الملك الزيات: لم لا تجيب دعبلا عن قصيدته التي هجاك فيها. قال: ان دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة وهو لا يبالي. انه نضال بطولي في سبيل البيت النبوي الطاهر، تحدى به دعبل ظلم الظالمين وبطش الحكام. لم يخف في الله لومة لائم ولم يتراجع قط عن طريقة المفروش بالالغام.
قال عنه البحتري : دعبل اشعر عندي من مسلم بن الوليد فقيل له: كيف ذلك قال: لان كلام دعبل ادخل في كلام العرب من كلام مسلم ومذهبه اشبه بمذاهبهم. وقد عده ابن شهر اشوب في المعالم ص139 انه من اصحاب الامام موسى الكاظم والرضا عليهما السلام ،
قال : دخلت على الامام الرضا فقال لي: انشدني شيئا مما احدثت فانشدته التائية:
مدارس ايات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات
حتى انتهيت الى قولي:
اذا وتروا مدوا الى واتريهم *** اكفا عن الاوتار منقبضات
قال: فبكى حتى اغمي عليه واومأ الى الخادم الذي على راسه ان اسكت فسكت فمكث ساعة ثم قال لي: اعد فاعدت حتى انتهيت الى هذا البيت ايضا فاصابه مثل الذي اصابه في المرة الاولى، فأومأ الخادم الي ان اسكت فسكت فمكث ساعة اخرى ثم قال لي اعد فاعدت حتى انتهيت الى اخرها فقال لي احسنت ثلاث مرات ثم امر لي بعشرة الاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت الى احد بعد وامر لي من في منزله بحلي كثير اخرجه الي الخادم، فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم فحصل لي مائة الف درهم.
فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل فقال له: انشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الامان من كل شيء فيها فاني اعرفها وقد رويتها الا اني احب ان اسمعها من فيك قال فانشده حتى صار الى هذا الموضع:
الم تر اني مذ ثلاثين حجة *** اروح واغدوا دائم الحسرات
ارى فيئهم في غيرهم متقسما *** وايديهم من فيئهم صفرات
اذا وتروا مدوا الى واتريهم *** اكفا عن الاوتار منقبضات
فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته وجرت دموعه على نحره وكان دعبل اول داخل عليه واخر خارج من عنده.
لا اريد ان اطيل عليكم اخوتي الاعزاء اليكم قصيدة دعبل الخزاعي :
ذكرت محل الربع من عرفات ****** فاجريت دمع العين بالعبراتِ
وفل عرى صبري وهاجت صبابتي****** رسوم ديار اقفرت وعراتِ
مدارس ايات خلت من تلاوة ****** ومنزل وحي مقفر العرصاتِ
لآل رسول الله بالخيف من منى ****** وبالركن والتعريف والجمراتِ
ديار علي والحسين وجعفر ****** وحمزة والسجاد ذي الثفناتِ
ديار لعبد الله والفضل تلوه ****** نجي رسول الله في الخلواتِ
منازل كانت للصلاة وللتقى ****** وللصوم والتطهير والحسناتِ
منازل جبريل الأمين يزورها ****** من الله بالتسليم والرحماتِ
منازل وحي الله معدن علمه ****** سبيل رشاد واضح الطرقاتِ
ديار عفاها جور كل منابذ ****** ولم تعف بالأيام والسنواتِ
قفا نسأل الدار التي خف أهلها ****** متى عهدها بالصوم والصواتِ
وأين الألى شطت بهم غربة النوى ****** أفانين في الاطراف منقبضاتِ
هم اهل ميراث النبي اذا اعتزوا ****** وهم خير قادات وخير حماةِ
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد ****** لقد شرفوا بالفضل والبركاتِ
أئمة عدل يقتدى بفعالهم ****** وتؤمن منهم زلة العثراتِ
وما الناس الا غاضب ومكذب ****** ومضطعن ذو أحنة وتراتِ
قبور بكوفان وأخرى بطيبة ****** وأخرى بفخٍ نالها صلواتي
وأخرى من بعد النبي مبارك ****** زكي آوى بغداد في الحفراتِ
وقبر بأرض الجوزجان محله ****** وقبر ببا خمرى لدى الغرباتِ
وقبر ببغداد لنفس زكية ****** تضمنها الرحمن في الغرفاتِ
وقبر بطوس يالها من مصيبة ****** تردد بين الصدر والحجباتِ
فأما الممضات التي لست بالغا ****** مبالغها مني بكنه صفاتِ
الى الله حتى يبعث الله قائما ****** يفرج منها الهم والكرباتِ
نفوس لدى النهرين من بطن كربلا ****** معرسهم منها بشط فراتِ
أخاف بان ازدارهم ويشوقني ****** معرسهم بالجزع من نخلاتِ
تقسمهم ريب المنون فما ترى ****** لهم عقدة مغشية الحجراتِ
خلا ان منهم بالمدينة عصبة ****** مدى الدهر انضاء من الازماتِ
قليلة زوار خلا ان زوروا ****** من الضبع والعقبان والرخماتِ
لها كل حين نومة بمضاجع ****** لهم من نواحي الارض مختلفاتِ
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها ****** مغاوير نحارون في السنواتِ
تنكب لاواء السنين جوارهم ****** فلا تصطليهم جمرة الجمراتِ
حمىً لم تطرهُ المبدياتُ وأوجهُ ****** تضيءُ من الايسار في الظلماتِ
إذا وردوا خيلاً تشمسَ بالقنا ****** مشارعُ موتٍ أفخموا الغمراتِ
وإن فخروا يوماً أتوا بمحمدٍ ****** وجبريلَ والفرقانِ والسوراتِ
أولئك لامن سنخِ هندٍ وتربها ****** سميةَ من نوكىَ ومن خدراتِ
ملامكَ في أهل النبي فإنهم ****** أوداي ما عاشوا وأهلُ ثقاتي
تخيرتهم رشداً لأمري لأنهم ****** على كل حالٍ خيرةُ الخيراتِ
نبذتُ اليهم بالمودة جاهداً ****** وسلمتُ نفسي طائعاُ لولاتي
فيا ربِ زدني في يقيني بصيرةً ****** وزد حبهم يارب في حسناتي
بنفسي أفدي من كهولٍ وفتية ****** لفك عناة أو لحمل دياتِ
وللخيل لما قيد الموت خطوها ****** فأطلقتم منهن بالذرباتِ
أحبُ قصي الأهل من أجل حبكم ****** وأهجر فيكم زوجتي وبناتي
وأكتمُ حبيكم مخافة كاشحٍ ****** عنيفٍ بأهلِ الحقِ غير مواتي
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها ****** وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تر اني مذ ثلاثون حجةٍ ****** أروحُ وأغدوا دائم الحسراتِ
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ****** وأيديهمُ من فيئهم صفرات
إذا وتروا مدوا الى واتريهم ****** أكفاً عن الأوتار منقبضاتِ
سأبكيهم ما ذر في الأرضِ شارق ****** ونادى منادي الخيرِ بالصلواتِ
وما طلعت شمس وحان غروبها ****** وبالليل أبكيهم وبالغدواتِ
فلولا الذي نرجوه في اليوم أو غدٍ ****** تقطعَ قلبي أثرهم حسراتِ
خروجُ إمامٍ لا محالة خارج ****** يقوم على اسم الله والبركاتِ
يميز فينا كل حقٍ وباطلٍ ****** ويجزي على النعماءِ والنقماتِ
سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم ****** كفاني ما ألقى من العبراتِ
فيا نفسي طيبي ثم يا نفس إبشري ****** فغير بعيد كل ماهو آتِ
ولا تجزعي من مدة الجور إنني ****** كأني بها قد اذنت ببتاتِ
فان قربَ الرحمنُ من تلك مدتي ****** وأخر من عمري لطول حياتي
شفيتُ ولم أترك لنفسي رزيةً ****** ورويت منهم منصلي وقناتي
عسى الله أن يأوي لذا الخلق إنهُ ****** الى كل قوم دائم اللحظات
أحاول نقل الشُمَ عن مستقرها ****** وأسماعَ أحجارٍ من الصلداتِ
فمن عارف لم ينتفع ومعاندٍ ****** تميل به الأعداءُ للشهواتِ
إذا قلت عرفا أنكروهُ بمنكرٍ ****** وغطوا على التحقيق بالشبهاتِ
فقصدي منهم أن أؤُبَ بغُصةٍ ****** ترددُ بين الصدرِ واللهواتِ
كأنكَ بالأضلاعِ قد ضاقَ رحبها ****** لما ضمنت من شدةِ الزفراتِ
رد مع اقتباس
مشاركة: من راوائع القصائد بحق اهل البيت (ع)
