(ياناسك الليل)
يا ناسِكَ الليلِ هلْ تَذَكرْ أماسِـينا
نَرومُ نبْـغِي وِصالاً أمْ تُجافيـنا
كُـنا صِحاباً وكانَ الـوِدُ رائِـدَنا
فألهَمَتْـنا صُروفُ الدَهْـرِ ما فينا
عادتْ الينا تُـواسينا بِـما فَعـلَـتْ
مِـنْ بَعدِ ما كَرِهَـت دَوماً تَدَانِـيـنا
أبَـتْ عَـلينا حـِياضَ التِـبرِ نُورِدُها
وأصْهَـرَتـه سَعِـيراً فـي مآقـيـنا
أصابَـنا الوَهْـنُ حـيناً مِنْ غلاوتِـنا
وأمْسَـكَ الفَجْـرُ حـيناً مِنْ تَراخـينا
***
سَبْع” مَضَـينَ وسَبْعُ الأمسِ ما بَرِحَتْ
تَـلُوكُ فـينا أَسَـاً سَـبْعاً وسَبْـعِـينا
أتى بِهِـنَّ خَـليـلُ الْحَـانِ مَغْـمَـغَـةً
ما أجّْـلَتْ العَـينْ، بلْ حَـدَّتْ مَواضِـينا
نخُوضُها مثلَ خَوضِ الخَيلِ فـي وَحَـلٍ
فـلا عَـرِفـنا لَـها دَربـاً ولا ديـنـا
تَـوارثَـتْـنا وصـارَ الوَهْـمُ مُرشِـدَنا
نَحْـدو بِـها اليومَ إذْ تَسلى بـماضِـيـنا!
فَـحَمَـلَتْـنا مِـن الأدرانِ مـا وَسِـعَـتْ
وكـان مِـنْ أمسِـنا مـا كـانَ يَـكْـفِـينا
***
يا ناسِكَ اللـيلِ مـا جَـفـتْ سَـواقـينا
شَـدّْوَ التَـمَـنيْ غَـدا لَحْـناً يُجـاريـنا
هي الأمـورُ وقَـد صِـيغَـتْ عـلى قَـَدرٍ
فـلا حَصـدنـا ربـيـعاً مِـنْ مَـذاريـنا
أفْضى بـها الوَحيُ، لا نَـدريْ مَـسارِبَها
أَمْ أنْـعَـمَ اللـهُ فـي وَجْـدٍ يُـواسـيـنا!
لـهُ القَـضـاءُ وفـيـنا الأمَـرُ نتْـبَـعُـه
إنْ لَوَّعَـتْـنا الـدَواهـيْ، مَـنْ يُـقاضِـيـنا!
وإنْ عَـرِجْـنا الـى الحُـكـامِ نَسـألُـهـمْ
نَـمى الـى سَـمعِنا مـا ليـسَ يُـرضـينا!
جَـهَـنَّـم” مَـوُرِدُ السـالـي ومـؤِلُـهُ
ونِـقـمةُ اللهِ فـي غَـيـبٍ تُـلاقِـيـنا!؟
****
يا ناسِكَ اللـيلِ لَـو تَـدري مَـرارتَـنا
مَـرّْتْ عُـقود” عَـلَـينا في تَـناجِـينا
أُريـدَ مِـنا سـكوتَ المَـوتِ نَجْـرَعُـهُ
ونَحْـتَـسي الكَـأسَ مُـرْاً فـي أياديـنا
نُـطاوِعُ الأمـرَ لا نَـدري فـَضائِـلَـهُ
فَـالكُـلُ يُحْـسِنُ بالأقـوالِ يَـغْـويـنا؛
لا نَـقْرَبُ الكَـأسَ شَر” في حَـلاوتِـها
ولا نُـغِـيثُ الصَـبايا حِـينَ يَبْـكِـينا!
غَـمَامَة” حَـجَـبَت شَمسَ الضُحى جَـلَلاً
وأسْـدلَ اللـيلُ مَـزهـواً يُـحـاكِـيـنا
***
يا ناسِكَ اللـيلِ مـا كـانَ الـنَوى أمَـلاً
أمْـنَـاً تَـراهُ وكـانَ الأمْـرُ مَـرْهـونا!
أتَـتْ اليـنا بِغَـبْـشِ اللـيلِ تُـوقِـظُـنا
أنَ الطَـريقَ غَـدَتْ سَـلْكى لـمـاشِـيـنا
ذُبـالةَ الـعُـمْـرِ مـا زالَـتْ بـها وَهَـج”
يَـشعُ حَـيـثُ ظَـلامُ اللـيلِ يَـغْـشونـا
لأنْ ركِبْـنا مُـتُـونَ الصَعْـبِ ما هَـزُلَـتْ
مِـنا المَـواعِـيـدُ أو خَـفَّـتْ مَـوازِيـنـا
لا تُطْـفِـيء الـنارَ فـيـنا مِـنْ حَـلاوتِـها
شَمسُ العِـراقِ تُنـيرُ الـدَربَ تُـغْـنِـيـنـا
***
يا ناسِـكَ الليلِ هلْ تُحْـزِنْـكَ غَـيْـبَـتُـنا
إنْ لَـمْ نـَعُـدْ مَـغْـنَـماً عـادَتْ مَرامِـينا
نَـبـِثُ أشْـجَـانَـنا صَـمْـتاً نَـلُـوذُ بـهِ
وفـي القُـلـوبِ صَـدَىً مـا زالَ يَـرويـنا
ذِكْـراكَ تَـنْـمـو نَشـيداً في حَـشـاشَـتِـنا
وتَـستَـعِـرْ جَـمْـرةً لَـمّـا تُـؤاخِـيـنـا
كُـنا أنَـبْـنـا شِـغافَ القَـلْـبِ مَسـكَـنَـها
فـكـان فـيـنا لـها قُـدْسَـاً وتَـثْـمِـيـنـا
نَـَطُـوفُ فـيـها طَـوافَ الـناسِ كَعْـبَـتَـهمْ
ونَـلْـتَـمسْ رَحْـمَـةً مِـنـها وتَـطْـمِـيـنا
***
نُـسائِـلُ النَـفْـسَ هـلْ بانـتْ على أمـلٍ
يا ناسِـكَ الليـلِ هـلْ عـادتْ ليـالـيـنا
رقَـتْ شِـفاه” وصـارَ الـوَجدُ مَخـدعَـها
نـأوى الـيـهِ إذا ضاقَـتْ مَسـاريـنـا
فإنْ نشِـدنا هُـطـولَ الـدَمـعِ يُسْـعِـفُـنا
لا الـدمعُ فـاضٍ ولا الأدواءُ تُشـفِـيـنـا
مَـرتْ مـرورَ سحـابَ الصـيفِ تَـدْهَـمُـنا
فأشـعَـلَـتْ فَـجْـأةً مـا كان مَـكـنـونـا
يا ناسِـكَ اللـيلِ لا تَـغْـفـو فَصـحْـوتَـنا
" تَـشْجـى لـواديـكَ أم تـأسـى لواديـنـا "
منقول من
الاستاذ باقر الفضلي