+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع

  1. #1
    فراتي برونزي نهرين is on a distinguished road الصورة الرمزية نهرين
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    410

    افتراضي التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع

    التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع
    من كتاب فلسفتنا للمفكر الاسلامي محمد باقر الصدر




    حب الذات هو الغريزة التي لا نعرف غريزة أعم منها وأقدم، فكل الغرائز فروع هذه الغريزة، بما فيها غريزة المعيشة. فان حب الانسان ذاته – الذي يعني حبه للذة والسعادة لنفسه، وبغضه للألم والشقاء لذاته – هو الذي يدفع الانسان الى كسب معيشته، وتوفير حاجاته الغذائية والمادية. فالواقع الطبيعي الذي يكمن وراء الحياة الانسانية كلها ويوجهها بأصابعه هو حب الذات، الذي نعبر عنه بحب اللذة وبغض الألم. ولايمكن تكليف الانسان أن يتحمل مختارا مرارة الألم دون شيء من اللذة، في سبيل أن يلتذ الأخرون ويتنعموا، الا اذا سلبت منه انسانيته، وأعطي طبيعة جديدة لا تتعشق اللذة ولا تكره الألم.


    وحتى الألوان الرائعة من الايثار، التي نشاهدها في الانسان ونسمع بها عن تاريخه.. تخضع في الحقيقة أيضا لتلك القوة المحركة الرئيسية: (غريزة حب الذات). فالانسان قد يؤثر ولده أو صديقه على نفسه، وقد يضحي في سبيل بعض القيم... ولكنه لن يقدم على شيء من هذه البطولات ما لم يحس فيها بلذة خاصة، ومنفعة تفوق الخسارة التي تنجم عن ايثار لولده وصديقه، أو تضحيته في سبيل القيم التي يؤمن بها.


    وهكذا يمكننا أن نفسر سلوك الانسان بصورة عامة، في مجالات الأنانية والايثار على حد سواء. ففي الانسان استعدادات كثيرة للالتذاذ بأشياء متنوعة: مادية كالالتذاذ بالطعام والشراب وألوان المتعة الجنسية وما اليها من اللذائذ المادية. أو معنوية، كالالتذاذ الخلقي والعاطفي، بقيم خلقية أو عقيدة معينة، حين يجد الانسان أن تلك القيم أو هذه العقيدة جزء من كيانه الخاص. وهذه الاستعدادات التي تهيء الانسان للالتذاذ بتلك المتع المتنوعة، تختلف في درجاتها عند الأشخاص، وتتفاوت في مدى فعليتها... باختلاف ظروف الانسان وعوامل الطبيعة والتربية التي تؤثر فيه. فبينما نجد أن بعض تلك الاستعدادات تنضج عند الانسان بصورة طبيعية، كاستعداده للالتذاذ الجنسي مثلا، نجد أن ألوانا أخرى منها قد لا تظهر في حياة الانسان، وتظل تنتظر عوامل التربية التي تساعد على نضجها وتفتحها. وغريزة حب الذات من وراء هذه الاستعدادات جميعا تحدد سلوك الانسان وفقا لمدة نضج تلك الاستعدادات. فهي تدفع انسانا الى الاستئثار بطعام على آخر وهو جائع، وهي نفسها تدفع انسانا آخر لايثار الغير بالطعام على نفسه. لأن استعداد الانسان الأول للالتذاذ بالقيم الخلقية والعاطفية الذي يدفعه الى الايثار كان كامنا. ولم تتوفر له عوامل التربية المساعدة على تركيزه وتنميته. بينما ظفر الآخر بهذا اللون من التربية، فأصبح يلتذ بالقيم الخلقية والعاطفية، ويضحي بسائر لذاته في سبيلها.


    تعتقد بعض التيارات الفكرية أن حب الذات ليس ميلا طبيعيا وظاهرة غريزية في كيان الانسان، وانما هو نتيجة للوضع الاجتماعي القائم على أساس الملكية الفردية كالتيار الماركسي (نسبة الى الفيلسوف كارل ماركس). فان الحالة الاجتماعية للملكية الفردية هي التي تخلق في الفرد حبه لمصالحه الخاصة ومنافعه الفردية. والواقع أن هذا المفهوم الماركسي يقدر العلاقة بين غريزة حب الذات وبين الأوضاع الاجتماعية بشكل مقلوب. والا فكيف نستطيع أن نؤمن بأن حب الذات وليد الملكية الفردية الخاصة والتناقضات الطبقية التي تنتج عن هذه الملكية الفردية؟! فان الانسان لو لم يكن يملك سلفا الدافع الذاتي أو حب الذات لما أوجد هذه التناقضات ولا فكر في الملكية الخاصة والاستئثار الفردي؟! فالحقيقة هي أن المظاهر الاجتماعية لم تكن الا نتيجة حب الذات. فهذا الدافع أعمق من المظاهر الاجتماعية الملكية الفردية والتناقضات الطبقية في كيان الانسان.


    ان المقياس الفطري يتطلب من الانسان أن يقدم مصالحه الذاتية الخاصة على مصالح المجتمع ومقومات التماسك فيه، والمقياس الذي ينبغي أن يحكم ويسود هو المقياس الذي تتعادل في حسابه المصالح كلها، وتتوازن في مفاهيمه القيم الفردية والاجتماعية.


    فكيف يتم التوفيق بين المقياسين وتوحيد الميزانين، لتعود الطبيعة الانسانية في الفرد عاملا من عوامل الخير والسعادة للمجموع. بعد أن كانت مثار المأساة والنزعة التي تتفنن في الأنانية أشكالها؟!


    ان الدين يوحد بين المقياس الفطري للعمل والحياة، وهو حب الذات، والمقياس الذي ينبغي أن يقام للعمل والحياة، ليضمن السعادة والرفاه والعدالة.


    ان التوفيق والتوحيد يحصل بعملية يضمنها الدين للبشرية التائهة، وتتخذ العملية أسلوبين:


    الأسلوب الأول: هو تركيز التفسير الواقعي للحياة، واشاعة فهمها في لونها الصحيح، كمقدمة تمهيدية الى حياة أخروية، يكسب الانسان فيها من السعادة على مقدار ما يسعى في حياته المحدودة هذه. في سبيل تحصيل رضا الله. فالمقياس الخلقي – أو رضا الله تبارك وتعالى – يضمن المصلحة الشخصية، في نفس الوقت الذي يحقق فيه أهدافه الاجتماعية الكبرى. فالدين يأهذ بيد الانسان الى المشاركة في اقامة المجتمع السعيد والمحافظة على قضايا العدالة فيه، التي تحقق مرضاة الله تعالى، لأن ذلك يدخل في حساب ربحه الشخصي، مادام كل عمل ونشاط في هذا الميدان يعوض عنه بأعظم العوض وأجله.


    فمسألة المجتمع هي مسألة الفرد أيضا، في مفاهيم الدين عن الحياة وتفسيرها. ولايمكن أن يحصل هذا الأسلوب من التوفيق في ظل فهم مادي للحياة، فان الفهم المادي للحياة يجعل الانسان بطبيعته لاينظر الا الى ميدانه الحاضر وحياته المحدودة، على عكس التفسير الواقعي للحياة الذي يقدمه الاسلام، فانه يوسع من ميدان الانسان، ويفرض عليه نظرة أعمق الى مصالحه ومنافعه، ويجعل من الخسارة العاجلة ربحا حقيقيا في هذه النظرة العميقة، ومن الأرباح العاجلة خسارة حقيقية في نهاية المطاف: (ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها). (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب). (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم، فمن عمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). (ذلك بأنهم لايصيبهم ظمأ، ولانصب، ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار، ولاينالون من عدو نيلا... الا كتب لهم به عمل صالح، ان الله لايضيع أجر المحسنين. ولاينفقون نفقة صغيرة ولاكبيرة، ولايقطعون واديا... الا كتب لهم ليجزيهم أحسن ما كانوا يعملون).


    هذه بعض الصور الرائعة التي يقدمها الدين مثالا على الأسلوب الأول، الذي يتبعه للتوفيق بين المقياسين وتوحيد الميزانين فيربط بين الدوافع الذاتية وسبل الخير في الحياة، ويطور من مصلحة الفرد تطويرا يجعله يؤمن بأن مصالحه الخاصة والمصالح الحقيقية العامة للانسانية – التي يحددها الاسلام – مترابطتان.


    وأما الأسلوب الثاني الذي يتخذه الدين، للتوفيق بين الدافع الذاتي والقيم أو المصالح الاجتماعية فهو التعهد بتربية أخلاقية خاصة، تعني بتغذية الانسان روحيا، وتنمية العواطف الانسانية والمشاعر الخلقية فيه. فان في طبيعة الانسان – كما ألمعنا سابقا – طاقات واستعدادات لميول متنوعة، بعضها ميول مادية تتفتح شهواتها بصورة طبيعية كشهوات الطعام والشراب والجنس، وبعضها ميول معنوية تتفتح وتنمو بالتربية والتعاهد، ولأجل ذلك كان من الطبيعي للانسان – اذا ترك لنفسه – أن تسيطر عليه الميول المادية لأنها تتفتح بصور طبيعية، وتظل الميول المعنوية واستعداداتها الكامنة في النفس مستترة. والدين باعتباره يؤمن بقيادة معصومة مسددة من الله، فهو يوكل أمر تربية الانسانية وتنمية الميول المعنوية فيها الى هذه القيادة وفروعها، فتنشأ بسبب ذلك مجموعة من العواطف والمشاعر النبيلة. ويصبح الانسان يحب القيم الخلقية والمثل التي يربيه الدين على احترامها ويستبسل في سبيلها، ويزيح عن طريقها ما يقف أمامها من مصالحه ومنافعه. وليس معنى ذلك أن حب الذات يمحى من الطبيعة الانسانية بل ان العمل في سبيل تلك القيم والمثل تنفيذ كامل لارادة حب الذات. فان القيم بسبب التربية الدينية تصبح محبوبة للانسان ويكون تحقيق المحبوب بنفسه معبرا عن لذة شخصية خاصة فتفرض طبيعة حب الذات بذاتها السعي لأجل القيم الخلقية المحبوبة تحقيقا للذة خاصة به.


    فهذان هما الطريقان اللذان ينتج عنهما ربط المسألة الخلقية بالمسألة الفردية، ويتخلص أحدهما في اعطاء التفسير الواقعي لحياة أبدية لا لأجل أن يزهد الانسان في هذه الحياة، ولا لأجل أن يخنع للظلم ويقر على غير العدل... بل لأجل ضبط الانسان بالمقياس الخلقي الصحيح، الذي يمده ذلك التفسير بالضمان الكافي.


    ويتلخص الآخر في التربية الخلقية التي ينشأ عنها في نفس الانسان مختلف المشاعر والعواطف، التي تضمن اجراء المقياس الخلقي بوحي من الذات.

  2. #2
    فراتي ذهبي فارس الهيجاء is on a distinguished road الصورة الرمزية فارس الهيجاء
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    بغداد
    المشاركات
    1,387

    افتراضي رد: التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع

    الاخت نهرين السلام عليكم..

    لقد اخترتي لكاتب العصر ومفكرة اروع ما يكون ويعجر حالي التعقيب على الموضوع فقط اسأل الله الواحد احد ان يجعلك في ركب محمد وال محمد

    تحياتي

  3. #3
    qeen ام فيصل is on a distinguished road الصورة الرمزية ام فيصل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    51,391

    افتراضي رد: التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع

    وحتى الألوان الرائعة من الايثار، التي نشاهدها في الانسان ونسمع بها عن تاريخه.. تخضع في الحقيقة أيضا لتلك القوة المحركة الرئيسية: (غريزة حب الذات). فالانسان قد يؤثر ولده أو صديقه على نفسه، وقد يضحي في سبيل بعض القيم... ولكنه لن يقدم على شيء من هذه البطولات ما لم يحس فيها بلذة خاصة، ومنفعة تفوق الخسارة التي تنجم عن ايثار لولده وصديقه، أو تضحيته في سبيل القيم التي يؤمن بها.


    الف شكر لك عزيزتي
    على هذا الطرح والنقل والاختيار الرائع
    وكيف لا وهي للمفكر والعالم الكبير السيد الصدر قدس سره الشريف
    بارك الله فيك
    ودمت بهذا التالق وحسن الاختيار
    وفقك الله لكل خير
    مع تحياتي لك

  4. #4
    فراتي برونزي نهرين is on a distinguished road الصورة الرمزية نهرين
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    410

    افتراضي رد: التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع

    الاخ فارس الهيجاء عليكم السلام
    اخي الفاضل ...
    تقبل الله دعائكم
    ودمتم بأمان الله وحفظه

  5. #5
    فراتي برونزي نهرين is on a distinguished road الصورة الرمزية نهرين
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    410

    افتراضي رد: التوفيق الاسلامي بين حب الذات ومصلحة المجتمع

    اختنا الفاضلة ام فيصل
    وفقك الله لكل خير
    وبارك الله بجهدك
    حقيقة اسعدني جدا مرورك وردك
    دمتِ بأمان الله ورعايته

+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك