الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد:
فها هو ذا، ضيف العام الكريم، يطرق أبواب الزمن، بعد ما اشتقنا إليه ولعله اشتاق إلينا، جاء ليمسح عن أنفسنا هموم الحياة ويبث فيها الإيمان والطمأنينة، جاء ليرسل بيديه الحانيتين لمسات الرحمة وباقات المغفرة يميناً ويساراً، جاء يربت على القلوب الخائفة من عاقبة الذنوب ويمحو من الكون رياح المعصية لتحل محلها رياح الجنة وجاء ليزرع فينا زهور الأمل والرخاء في غد مشرق بنور التقوى ومآل مرجو في جنة الرحمن. إنه ضيف العام.. إنه رمضان.
إنه شهر الكتب السماوية.. نور العقيدة في قلوب المؤمنين.. حيث { أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، و أنزل الإنجيل بثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان } [رواه foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? وحسنه الألبانى] فهو بحق شهر الهداية. إنه: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. جاء ومعه غير القرآن الكريم الكثير من مقومات حياة القلوب وأسباب هدايتها وحمايتها من كل سوء، فــ { إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة } [رواه أبو هريرة وصححه الألباني]. وانفتح الطريق بين الناس وبين الطاعة و { فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم } [رواه البخاري] وحيل بين القلوب وبين وساوس الشيطان فإذا دخل رمضان ثق –أيها المؤمن– أنه قد { سلسلت الشياطين } [رواه ابو هريرة وصححه الألباني]. و { يصفد فيه كل شيطان مريد } [ قال الألباني اسناده جيد].
توفرت فيه خير مواسم الطاعات تلك الليلة التي تهفو إليها قلوب المخبتين الخاشعين يتنافسون فيها ويتسابقون ليلها ويجهدون جوارحهم فهي أفضل موعد ينتظره المؤمن فيه { ليله خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم } [رواه أبو هريرة وصححه الألباني] { من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا المحروم } [رواه أنس بن مالك وحسنه الألباني]. وكيف لا يكون محروماً من خسر خير هذه الليلة وهي لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:3-5].
جاء ليمهد لنا الطريق إلى الجنة ويرشدنا إلى بابها ويحمينا من عوادي الطريق ثم يفتح لنا { تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم } [رواه foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? وصححه الألباني].
وهكذا تتلألأ أسراب الحور فى عيون المتقين فتسرع إليها الخطا والأجمل من ذلك الأمل الذي يحدوهم إلى رؤية الله عز وجل.. ألا تحب أن ترى وجه ربك وتنعكس على بشرتك سبحات وجهه تبارك وعلا؟!
أيها المؤمن:
ألا تخشى النار.. ألا تخشى عذابها وويلها!! فهاك رمضان فرصة للنجاة منها؛ فعلاوة على أنها تغلق أبوابها ولا يفتح منها باباً. فــ { إن لله عتقاء في كل يوم وليلة } [رواه أبو هريرة].
فما رأيك في هذه الجائزة أهي خير أم الفوز بجوائز الدنيا؟! أترى يوماً مثل يوم رمضان أو ليلة مثل لياليه؟
إن لك فيه صلة بربك تبارك وتعالى لا تنقطع أبدا. فما هو إلا أن تتصل به فيتقبل توبتك ويلبي مطلبك.. فيا من تصوم رمضان. وتعرف فضله { إن لكل مسلم في كل يوم و ليلة دعوة مستجابة } [رواه أبو سعيد الخدري وصححه الألباني].
وما أجمل ما يتوجك به رمضان أيها الصائم... وما أغلى مكافأة فى نهاية الشهر يا من حرصت على طاعة ربك فيه.. ذلك تاج المغفرة، حلم المؤمن الخاشع وحلم المذنب أيضاً، وهو أعظم منحه يمنحها الله لعبده الصائم. فـ { الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر } [رواه مسلم].
فهنيئا لك أيها الصائم.. تغفر لك ذنوبك في موسم المغفرة.. يتوب عليك ربك تعالى ليفيض عليك من خيره ورضوانه.
أيها المؤمن:
{ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه البخاري ومسلم وابن العربي وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني].
فاحرص على هذه المنحة.. فيا لخيبة من ضيعها ولم يفز بها وخرج منها كأن لم يدخلها، وفارقها كأن لم يعرفها أو يلقها، فوالله { رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له } [رواه أبو هريرة وصححه الألباني].
أيها المؤمن:
ذاك هو اختيارك.. وهو اختبار تعلق نتيجته على باب المحشر وليس فيه إلا قراران؛ مؤمن أو منافق. فـ { ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان ولا أتى على المنافقين شهر شر من رمضان وذلك لما يعد المؤمنون فيه من القوة للعبادة وما يعد فيه المنافقون من غفلات الناس وعوراتهم هو غنم والمؤمن يغتنمه الفاجر } [رواه foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?] فكل إنسان يلقى رمضان بما جلبت عليه نفسه ومن أحب الشهوات كرهه لأنه يكره ما يبعده عن شهواته، فباع عبادة الله تعالى بعبادة شهواته والعياذ بالله.
إنه شهر صوم يوم منه يساوي مكسباً لا يدانيه مكسب دونه { من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً } [رواه مسلم وأبو سعيد] وإفطار يوم منه بلا عذر خسارة لا تعدلها خسارة { من أفطر يوماً في رمضان من غير مرض ولا رخصة لم يقضه صيام الدهر كله وإن صامه } [رواه أبو هريرة].
هذا هو رمضان أيها المؤمن ليس مثل الشهور إنه شهر البركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله. وجاء رافعاً صوته الذي كثيرا ما تلا به كتاب الله تعالى ليقول لنا { يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر } [رواه أبو هريرة وصححه الألباني] فافتح نوافذ قلبك أيها المؤمن لترقب قدومه وأسرع لاستقباله واستنشق عبير الجنة الذي يفوح منه فإنه شهر الجنة ويا باغي الخير أقبل.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين