كل الطرق تؤدي الى كربلاء
كربلاء "العراق" - د ب أ - في ظل تدابير أمنية مشددة بدأ عشرات الآلاف من الشيعة رحلة شاقة لقطع مئات الكيلومترات مشيا على الأقدام من مدن العراق للوصول إلى مدينة كربلاء لإحياء أربعينية الأمام الحسين عليه السلام منتصف الشهر الجاري.
ويشارك في هذه الشعيرة الدينية المقدسة لدى الشيعة العراق أشخاص من مختلف الفئات العمرية حيث يمكن المشاهدة على طول الطرق المؤدية إلى مدينة كربلاء، طفل رضيع بأحضان أمه لم يصل بعد إلى عامه الأول أو آخر معاق على كرسي متحرك أو شيخ طاعن بالسن وآخرين بأعمار مختلفة من النساء والرجال والشباب يتحدون الأحوال الجوية السيئة التي تشتد برودتها خلال الليل وغالبيتهم العظمى يرتدون ملابس سوداء تأسيا وحزنا على مقتل الأمام الحسين قبل 14 قرنا في واقعة الطف بمدينة كربلاء.
ويقطع العراقيون مئات الكيلومترات للوصول إلى مدينة كربلاء فمثلا من مدينة البصرة تصل المسافة إلى 524 كيلومترا والعمارة 484 كيلومترا والناصرية 317 كيلومترا والسماوة 212 كيلومترا والديوانية 132 كيلومترا وواسط 280 كيلومترا وبغداد 118 كيلومترا والنجف 78 كيلومترا.
وتحث المرجعيات الدينية ورجال الدين في العراق على المشاركة بقوة في أداء مراسم زيارة أربعينية الأمام الحسين كلا بحسب ما يراه مناسبا سواء بالسير مشيا على الأقدام أو الوصول من خلال وسائل النقل المتعددة.
وقال حسام محمد لطيف/23عاما/ : "خلال اليومين المقبلين سننطلق في رحلة السير مشيا على الأقدام من بغداد إلى مدينة كربلاء كتقليد سنوي وحبا وتمسكا وعشقا للإمام الحسين".
وأضاف: "نحتاج إلى يومين أو ثلاثة للوصول إلى مدينة كربلاء للمشاركة في إحياء أربعينية الحسين مع الآخرين".
وبدأ آلاف الشيعة في بلدان الخليج وسوريا ولبنان وإيران وباكستان بجانب عراقيين مقيمين في دول أوربا في التوافد إلى العراق لأداء هذه الشعائر.
ويبدو أن الأجواء الأمنية المستقرة نسبيا في أرجاء البلاد هذا العام ستجعل من هذه الطقوس هي الأكبر في تاريخ العراق من حيث المشاركة. ويتوقع أن يحيي زيارة الأربعينية منتصف الشهر الجاري ملايين العراقيين ستكتظ بهم مدينة كربلاء.
ومنذ الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، اتسعت دائرة إحياء الشيعة لمراسمهم الدينية وأداء طقوسهم وخاصة إحياء أيام عاشوراء وأداء زيارة أربعينية الأمام الحسين التي كانت من المحرمات في حقبة صدام حسين ويتعرض المخالف لعقوبات قاسية قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد.
وقال علي حسين /61 عاما/ وهو موظف متقاعد: "سأتوجه إلى مدينة النجف بحافلات النقل ومن هناك سأبدأ رحلة السير مشيا على الأقدام من مدينة النجف إلى مدينة كربلاء لان المسافة قصيرة نوعا ما "78 كم"، وتتطلب مني المشي ليوم واحد فقط وبالتالي تتاح لي فرصة المشاركة في هذه الشعائر التي تقربنا كثيرا من الإمام الحسين".
ونجحت السلطات الأمنية العراقية خلال العامين الماضيين في وقف الهجمات المسلحة التي تستهدف الزوار سواء داخل مدينة كربلاء أو على الطرق المؤدية إلى المدينة والتي أوقعت المئات بين قتيل وجريح خلال السنوات التي تلت الإطاحة بنظام صدام في أعوام 2003 و2004 و2005 والتي شهدت انفجارات مدمرة وهجمات انتحارية وهجمات مسلحة ستبقى عالقة في أذهان العراقيين لأنها لم تكن معروفة ولم يشهد لها العراق مثيلا.
وخلال العامين الماضيين، تمكنت السلطات الأمنية والعسكرية بالتعاون مع القوات متعددة الجنسيات من وضع تدابير أمنية ونشر الآلاف من القوات العسكرية في جميع الطرق وفق خطط أمنية تتولى كل محافظة وضعها وتضع كامل قواتها في حالة الاستنفار القصوى.
لكن ثقل الإجراءات الأمنية يكون في مدينة كربلاء التي تقسم إلى عدة أطواق أمنية ويتم نشر الآلاف من عناصر القوات العسكرية في جميع الطرق والمداخل والمناطق الصحراوية وفي محيط المسطحات المائية وفوق البنايات العالية والفنادق والشوارع الرئيسية والفرعية ونشر المئات من النساء الشرطيات لتفتيش النساء وبإشراف مباشر من رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي داخل غرفة عمليات مركزية يقودها وزراء الأمن وكبار ضابط الجيش والشرطة.
وتتشح الطرق المؤدية إلى كربلاء بالرايات الملونة وغالبيتها السوداء كما تقام آلاف السرادق والمخيمات ومحطات الاستراحة من قبل متبرعين من الميسورين وقادة الأحزاب والتيارات الدينية والعشائر والأشخاص والمنظمات لاستقبال الوافدين وتقديم وجبات الطعام لهم وإيوائهم للاستراحة.
وتكاد تخلو الأحياء والمناطق الشيعية من سكانها مع قرب حلول موعد المناسبة منتصف الشهر الجاري لأن أعدادا كبيرة جدا تتوجه إلى كربلاء للمشاركة في أداء مراسم الزيارة وطقوسها الحزينة ما يتطلب من السلطات المدنية والإدارية والصحية والخدمية وضع تدابير احترازية لتسهيل إجراءات الزيارة حيث تجهز دائرة صحة كربلاء 57 سيارة إسعاف و44 مفرزة طبية وسبع مستشفيات.