رسالة إلى حب مفقود...
ليس هناك أحد يحول بيني وبينك
ليس هناك نبات يمتص الثرى من أعماق الأرض
ولا ريح تذرو سنابل القمح ولا حيوان ولا إنسان
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى ساقية فقدت عبراتها في سواقي حقل
ورحى تدور و وتدور ولا تطحن سوى حجر و وحل
وعرائش كرمة رددت تراتيل تل ..سهل وجبل
وبراعم خطفت أنفاسها الندية شبِم وغتم
وحصاد لم نجنى منه سوى الشوك والألم
وعرانيس ذرة ذبلت من قسوة العطش .
*******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى أنني طفلة تناست أول رحلة لها على أرجوحة القدر
وحملتها أجنحة الريح بعيدًا عن وعثاء السفر
وعانقت السماء وعادت تحمل في كفيها البرد ومنحته غور النجوم
وبدراً كان قد أفل فسقط في أرض جدب وانتحر
وذاب في ثرى أثقله لهاث الشجر
واستحال غضا أسوداً وجمراً أحمراً يتوقد
وصار رماداً أقذى العيون والدَّيِم
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى أن أجمل الأجساد تلك التي من زجاج شفاف
تتزاحم خلف زجاج ملون تشد بعضها ما بين الإطار والإطار
تماما كما في ألبوم الصور
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى أن الحب كرمال تبتلعها شفاه العطشى
والكراهية كقدح ملحي قُدم للزائرين
وأنت تمنحني الحب رمالا وتسقيني الكراهية في قدح ملحي.
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى لو كانت حياتي لم توجد
ولم اترك خلفي كلمات وتراتيل حزن
و لم اخلف ورائي شيء يذكر
كما ليس لدي حكمه ولا مهارات ولا إيمان وأمل
ولكن هناك حرب فاحذر!! إنها تقسّم العالم نصفين وتحول بيني وبينك.
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى أني حين امسك القلم يُنبت أغصانا وورق
حتى يُغطي صفحاتي ببراعم الزهر
فتتدفق أنهار حبري وترفع يديها وتصرخ وتقول
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى سنوات من الصمت تفتت أيامها بين أصابعي
فأسمع ضحكاتك بين ساعاتها
وعبير ربيعها يجذبني إليك
فهل تعرف كم اشعر بالحنين
عندما استيقظ في الليل وأنا أصغي إلى قلبي الهادر
وعندليب يغرد فوق نافذتي
ونجمة صافيه تسترق إلي النظر.
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى جبال شاهقات وسهول بريه
وشمس تتكئ على واد نهر حيث ولدت
وبحر بموجة ثقيلة على شواطئه سوف تطغى
على موجة صغيرة تختبئ خلف زجاج أحداقي والنظر.
******
ليس هناك شيء بيني وبينك
سوى الحروب الأليمة
وأنت كطريداً منذ زمن بعيد, تهيم وحيدا
وليس لديك مكان تشعر بالانتماء إليه
تهيم عبر صحراء باهته
وفوق أقاليم الأرض الآثمة
في المنفى وروح اليأس تحوم حولك مرفرفة
و ذكريات المواقيت السعيدة في ذهنك الضجر التائه قاتمة عارية.
******
ليس هناك شيء يحول بيني وبينك
سوى أني استعرتك من وسادة أحلامي أمنية بلا أمل
وزرعتك في رف مكتبتي قصيدة يسكنها الملل
ورسمتك في دفتري كوكب دري نأى عنه القمر
وقرأتك قصة يتيمة ضجت بالحزن والشجن
وكتاب حوت سطوره عظات وعبر
وسمعتك أغنية حيرى يتأوه منها النبر
وحضرتك أمسية خرقاء في ظل السحر
وانتحبت بشدة حين لاح الضوء وأقبل الفجر
******
ليس هناك شيء بيني وبينك
فوق الأرض الآثمة سوى بلبل حزين حلق
وعلى نافذتي حط ليوصل إلىّ رسالة منك
رسالة تحمل ذكريات الأيام السعيدة
ذكريات أيامٍ كان يتألق فيها المرح
أيام كان يُعرف الوفاء والثقة بالبداية السعيدة للحب
أيام لم يكن الشك والحرب السوداء
قد غمراك ـ بعد ـ بمرارة النفي العقيم عامًا وراء عام
وحينما كان الكثيرالكثير
لكن ذلك كان أكثر مما يمكن أن تحتمل الذاكرة فنسيتني
فهذا فقط هو كل ما يحول بيني وبينك.
******
اخبرني ما الذي يحول بيني وبينك
فكم من الأشياء رحلت فهل ستؤوب؟
أشخاص غادرونا أجسادا وأرواحا
وآخرين إحساسا وأنفاسا
فهل سيعيدهم الزمن إلينا؟!!
هل تظن أن مشاعري قد رحلت معك؟!
أو أنني صورة مفقودة من لوحة مرسومة عُلقت في بهو حياتك
لم تكن يومًا بالألوان
وتحتضن الإطار وتغرق في لجة الأركان
تختزل الألم آهات وتلثم خد الأيام جراح
تسرق العبرات من كف الزمن وتحولها وقود تُشعل به فتيل الأهداب
أم روح شاردة عارية في ظلمة ذاتك
تتهجى حروف الحنين وتضرب على دُف القصيد فتصغي للحن أوجاعك
تغزل من خيوط الغمام دموع وكلام
لتنسج ترتيل أبجدية النواح وتصوغ من أبياتها الشقاء
أكنتُ كذلك .. أم كنت أنا أنت؟! أم أنني أتوهم حبك؟!!
بل أخشى أن أكون
مجرد أنثى تحتل صدر الحبيب المنتظر
دون أن تترك فيه بصمة أو أثر
ليتني ما أحببتك .. ليتنى لم أنتظرك
ليتني لم أنثر عبراتي على ماض ٍيتعذب
ليت الوفاء والوئام يسكن مني الحدق
يمد مشاعري بجميلة الود والصبر
يمنح فؤادي انتصار وفوز يحتل من سويدائه النبض
ليت كلماتي تتعدى حدود الصدى وتعانق أسماعك
ها أنا أرنو بنظري إلى القمر البعيد .. أتصفحه
أبحث في ضوئه عن بارقة أمل ، عن حياتي الهاربة معك
هو عالٍ طرق أبواب هذا العالم غير عابئ بي ، أما أنا فأقبع في سراديب الحياة
أستمع إلى سكونها ، أكتم شهقاتي ، أجتر ذكرياتي معك و أخنق أنينها المتواصل
أتجرع دموعي الباردة كي أتسول منك الحب
أنزوي داخل نفسي .. أبتعد وأبتعد
وذكرياتي المتلاحقة لا زالت مسرعة هاربة
فحياتي من بعدك مجرد دوران .. فيها أفتش عن ذاكرة النسيان لأُوقف أنين الذكريات
لأنسى لحظات مُرة ورياح عاتية عبثت بحياتي وتلاعبت بها
حطمت سنابلها وتركتها صفراء ذابلة تنشد قطرة أجود بها
فهل ترويها دموعي الجافة ؟!!
كل ذكرى هي منك دفنتها حية .. وأدتها وحفرت قبرها بنفسي
أنينها لا زال يطرق أسماعي وبقايا تراب رطب يلوث أناملي
أصم أذنيَّ وألوذ بالفرار ... أكبح رغبتي في العودة إليها وإنقاذها
وكل مساء أقوم بزيارتها .. زيارة محرمةً عليَّ .. أقف بينها .. أتأملها بقلب دامي
أبحث فيها عن العزاء .. الغفران .. أقنع نفسي بأن ما فعلته هو الصواب
أحاول أن أكفر عن ذنب حبي لك؟!! أن أسامح نفسي لأني فكرت بك ؟!!
فهل فعلت ؟!!
م\ن
مماراق لي