أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهلَ القبلةِ بمطلق المعاصي، والكبائر، كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال (سبحانه):
(فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف )
وقال (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فأت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )
وقوله ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) ولا يسلبون الفاسق الملى الإسلام بالكلية ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله( فَتَحريرُ رَقَبَةٍ مؤمنة ) وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما قال تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ء آيته زادتهم ايمنا )وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلايَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فَيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ "
ونقول: هو مؤمن ناقص الإِيمان، أو مؤمن بإيمانه، فاسق بِكَبِيرَتِه، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم بكَبيرَته.
____________________________

الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، وأن هذه الثلاثة داخلة في مسمى الإِيمان المطلق.
فالإيمان المطلق، يدخل فيه جميع الدين ظاهره وباطنه، أصوله وفروعه، فلا يستحق اسم الإيمان المطلق إلا مع جمع ذلك كله ولم ينقص منه شيئاً.
ولما كانت الأعمال والأقوال داخلة في مسمى الإيمان كان الإيمان قابلا للزيادة والنقص، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، كل هو صريح الأدلة من الكتاب والسنة، وكل هو ظاهر مشاهد، من تفاوت المؤمنين في عقائدهم وأعمل قلوبهم وأعمال جوارحهم.
ومن الأدلة على زيادة الإيمان ونقصه أن اللّه قسم المؤمنين ثلاث طبقات فقال سبحانه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَاِلمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بَالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله)

فالسابقون بالخيرات: هم الذين أدوا الواجبات، و المستحبات، وتركوا المحرمات، والمكروهات، وهؤلاء هم ا لمقر بون.
والمقتصدون: هم الذين اقتصروا على أداء الواجبات وترك ا لمحرمات.
والظالمون لأنفسهم: هم الذين اجترأوا على بعض المحرمات، وقصروا ببعض الواجبات مع بقاء أصل الإيمان معهم.
ومن وجوه زيادته ونقصه كذلك أن المؤمنين متفاوتون في علوم الإيمان فمنهم من وصل إليه من تفاصيله وعقائده خير كثير، فازداد به إيمانهُ، وتم يقينه، ومنهم مَنْ هو دون ذلك، حتى يبلغ الحالُ ببعضهم أن لا يكون معه إلا إيمان إجمالي لم يتيسر له من التفاصيل شيء، وهو مع ذلك مؤمن. وكذلك متفاوتون في كثير من أعمال القلوب والجوارح وكثرة الطاعات وقلتها.
وأما من ذهب إلى أن الإيمان مجرد التصديق بالقلب، وأنه غير قابل للزيادة أو النقص، كما يروى عن أبي حنيفة وغيره، فهو محجوج بما ذكرنا من الأدلة قال عليه السلام " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها: قول لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق "ومع أن الإيمان المطلق مركب من الأقوال والأعمال والاعتقادات، فهي ليست كلها بدرجة واحدة، بل العقائد أصل في الإيمان فمن أنكر شيئاً مما يجب اعتقاده في اللّه، أو ملائكته، أو كتبه، أو رسله، أو اليوم الآخر، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كوجوب الصلاة، والزكاة، وحرمة الزنا، والقتل... الخ، فهو كافر قد خرج من الإيمان بهذا الإنكار.


وأما الفاسق الملي الذي يرتكب بعض الكبائر مع اعتقاده حرمتها، فأهل السنة والجماعة لا يسلبون عنه اسم الإِيمان بالكلية، ولا يخلدونه في النار- كما تقول المعتزلة والخوارج- بل هو عندهم مؤمن ناقص الإيمان، قد نقص من إيمانه بقدر معصيته، أو هو مؤمن فاسق، فلا يعطونه اسم الإيمان المطلق، ولا يسلبونه مطلق الإيمان.
وأدلة الكتاب والسنة دالة على ما ذكره المؤلف (رحمه اللّه) من ثبوت مطلق الإيمان مع المعصية قال تعالى(يَا أيها الذين آمَنُوا لا تتخذوا عَدُوْى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) فناداهم باسم الإِيمان مع وجود المعصية وهي: موالاة الكفار منهم... الخ.


فائدة:
الإيمان والإسلام الشرعيان متلازمان في الوجود، فلا يوجد أحدهما بدون الآخر، بل كلما وجد إيمان صحيح معتد به، وجد معه إسلام، وكذلك العكس، ولهذا قد يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما إذا أفرد بالذكر دخل فيه الآخر، وأما إذا ذكرا معاً مقترنين أريد بالإيمان التصديق والاعتقاد، وأريد بالإسلام الانقياد الظاهري، من الإقرار باللسان وعمل الجوارح، ولكن هذا بالنسبة إلى مطلق الإيمان، أما الإيمان المطلق، فهو أخص مطلقاً من الإسلام، وقد يوجد الإسلام بدونه، كما في قوله تعالى (قَالَتِ ا لأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) فأخبر بإسلامهم مع نفي الإيمان عنهم. وفي حديث جبريل ذكر المراتب الثلاثه الإسلام، والإيمان، والإحسان. فدل على أن كلا منها أخذ مما قبله.



م