الحمد لله، و سلام على عباده الذين اصطفى، حمداً إذا قابل النعم وفَى، وسلاماً إذا بلغ المصطَفين شفَى، و خصّ الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى، و من احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى، وفقنا لسلوك طريقهم فإِنه إذا وفّق كفى.وبعد السلام عليكم ورحمة الله اخوة الايمان
الأولياء والصالحون هم المقصود من الكون وهم الذين علموا فعملوا بحقيقة العلم فالنتابع جميعا وفقني الله واياكم لمرضاته لما جاء في هذه الموعظة البليغة للامام العابد والرجل الصالح الحسن البصري تغمده الله بواسع رحمنه واسكنه فراديس جناته قال

يا ابن آدم، بعْ دنياك بآخرتك تربَحْهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسَرَهما جميعاً، يا ابن آدم، إذا رأيت النّاس في الخير فنافِسْهم فيه، وإذا رأيتم في الشّرِّ فلا تغبطهم به، الثَّواءُ ها هنا قليل، والبقاء هناك طويل، أمَّتُكُم آخر الأمَم وأنتم آخِرُ أمّتكم، وقد أُسرِع بخياركم فماذا تنتظرون؟ آلمعايَنةَ؟ فكأن قَدْ، هَيْهَات هيهات،

ذهبت الدّنيا بحالَيها، وبقيت الأعمال قلائدَ في أعناق بني آدم، فيالها موعظةً لو وافقتْ من القلوب حياةً أمَا إنّه واللَّه لا أمّةَ بعد أمّتكم، ولا نبيَّ بعد نبيِّكم، ولا كتابَ بعد كتابكم، أنتم تسوقون النّاسَ والسّاعةُ تسوقكم، وإنّما يُنْتَظَر بأوّلكم أن يلحق آخَرَكم، مَنْ رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد رآه غادياً رائحاً، لم يضع لَبِنةً على لَبنة، ولا قَصبةً على قصبة، رُفِع له عَلَمٌ فشمَّر إليه، فالوَحاءَ الوَحاء، والنَّجاءَ النجاء،

علام تعرّجون، أُتِيتم وربِّ الكعبة، قد أُسرِع بخياركم وأنتم كلَّ يوم تَرذُلون، فماذا تنتظرون، إنَّ اللَّه تعالى بعثَ محمّداً عليه السلام على علمٍ منه، اختاره لنفسه، وبعثه برسالته، وأنزل عليه كتابَه، وكان صفوتَه من خلقه ، ورسولَه إلى عباده، ثمَّ وضعَه من الدُّنيا موضعاً ينظر إليه أهلُ الأرض، وآتاه منها قُوتاً وبُلْغة، ثم قال: " لَقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللَّه أسوةٌ حسَنةٌ " الأحزاب:21، فرغِب أقوامٌ عن عيشه، وسخِطوا ما رضِيَ له ربُّه، فأبْعدَهَم اللَّهُ وأسحَقهم،

يا ابنَ آدم، طأ الأرضَ بقدمِك فإنَّها عما قليل قبرُك، واعلم أنَّك لم تَزَلْ في هدم عُمرك مذ سقطتَ من بطن أمِّك، فرحِمَ اللَّهُ رجلاً نَظَرَ فتفكَّر، وتفكَّر فاعتبر، واعتبَرَ فأبصر، وأبصَرَ فصَبَر، فقد أبصر أقوامٌ فلم يصبروا فذهب الجزَعُ بقلوبهم ولم يدرِكوا ما طلبوا، ولم يرجِعوا إلى ما فارقوا، يا ابن آدم، اذكُرْ قوله: " وكُلَّ إنْسَانٍ ألزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِه ونُخْرِجُ له يومَ القيامة كِتاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً، اقْرَأْ كتابَكَ كَفَى بنَفْسكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " الإسراء: 13 - 14،

عَدَلَ واللَّهِ عليك مَن جَعَلك حسيبَ نفسك، خذُوا صفاء الدُّنيا وذروا كدَرَها؛ فليسَ الصَّفْو ما عاد كدَراً، ولا الكدرُ ما عاد صفواً، دَعوا ما يَريبكم إلى ما لا يُرِيبكم، ظهر الجفاء وقلَّت العلماء، وعَفَت السُّنّة وشاعت البدعة، لقد صحبتُ أقواماً ما كانت صحبتُهم إلاّ قُرّةَ العين، وجِلاءَ الصدر، ولقد رأيتُ أقواماً كانوا من حسناتهم أشفَقَ من أن تُرَدّ عليهم، منكم من سيئاتكم أن تُعذَّبوا عليها، وكانوا فيما أحلَّ اللَّهُ لهم من الدُّنيا أزهدَ منكم فيما حرّم عليكم منها، مالي أسمع حَسِيساً ولا أرى أنيساً، ذهب الناس وبقي النَّسْناس، لو تكاشفتم ما تدافَنْتم، تهاديتم الأطباقَ ولم تتهادَوا النَّصائح، انتهى

والى الله سبحانه أرغب في النفع بكلمات المتقين واللحوق بدرجات أهل اليقين أنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته