الحكومات التي بالت على نفسها
مقالة نشرتها وكالة أنباء المستقبل العراقية للصحافة والنشر (ومع)
كاظم فنجان الحمامي
من كان يصدق أن الحكومات العربية المستبدة تبول على نفسها من شدة الخوف والذعر, وتضطرب أحوالها, وتلفظ أنفاسها الأخيرة تحت أقدام بائع متجول ينتمي إلى الطبقات الشعبية المسحوقة, ولا يملك قوت يومه ؟؟؟, ومن كان يصدق أنها بهذا الضعف والهشاشة والتفاهة, بحيث تفقد سيطرتها على مثانتها, وتعجز عن حماية أسوار منتجعاتها وبوابات قصورها الرئاسية ؟؟, ومن كان يصدق أن الأنظمة المتفرعنة التي كانت تتبجح بسلطاتها المطلقة, وتتباهى بدمويتها الكاسرة, وتخوض بحار سياساتها الإجرامية الهائجة ضد أبناء شعبها المضطهد, من كان يصدق أنها مجرد كيانات كارتونية ستغرق في نهاية حكمها في مستنقع بولها, وتلوذ بالفرار وهي تجر أذناب الخزي والعار والخيبة ؟؟, ومن كان يخطر بباله أن الحكومات الفولاذية البوليسية المخابراتية الظالمة, التي جثمت على صدور الناس أكثر من ربع قرن, ومارست أبشع أساليب القهر والتنكيل والتعذيب وتكميم الأفواه, تتلاشى وتختفي, وتخور قواها في دقائق معدودات, بعد سماعها لأول صرخة شعبية, أطلقتها الحناجر الجريحة, وفجرتها الطبقات الاجتماعية المحرومة من ابسط مستلزمات العيش الكريم ؟؟.
استشعرت الكيانات العربية الدكتاتورية ناقوس الخطر منذ بضعة أعوام, لكنها لم تكن تعلم أن بدايات العام الجديد ستكون نذير شؤم عليها وعلى حاشيتها, ولم تكن تعلم أنها ستتساقط تباعا كما تتساقط قطع الدومينو في وديان الخسة والرذيلة.
لقد كانت انتفاضة محمد البوعزيزي هي الصفعة المدوية, التي كسرت أنوف الطغاة والجبابرة بالضربة القاضية, وألحقت بزين الهاربين بن علي الهزائم المنكرة على الساحة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج, وكانت هي الشرارة الحارقة, التي انطلقت من براكين الغضب الشعبي التونسي, فانبعثت الاحتجاجات من أفواه الأصوات المغيبة, وارتفعت على أثرها رايات الحرية والتغيير والتصحيح, ثم تفجرت الأوضاع في القاهرة والسويس والإسكندرية, وخرج أبو الهول عن صمته ليقول كلمته البليغة الحاسمة, فاستجاب لها الشمال الأفريقي برمته, واهتزت الكيانات الضعيفة في عموم أقطار الشرق الأوسط, فغسلت الحكومات وجهها ببولها, وراحت ترتكب حماقات أخرى, تضاف إلى حماقاتها السابقة, فسحبت عناصر الشرطة من الجسور والساحات والمعابر والشوارع وأخلتها تماما, وأمرت قوات مكافحة الشغب بالعودة إلى مقراتها وقواعدها, ثم زجت بعناصرها التخريبية المدربة, ليعبثوا في ضواحي المدن الكبرى, وربما أوصتهم بانتهاك حرمة المناطق السكانية الآمنة, وربما طلبت منهم سرقة الأسواق والبنوك والمحال التجارية, وشجعتهم على اقتحام المتاحف والمستشفيات, في محاولات خبيثة لامتصاص نقمة الناس, وتشويه صورة الانتفاضات الشعبية العفوية البريئة, ولجأت في الوقت نفسه لترميم الأوضاع المنهارة, ومعالجة الأوضاع بسلسلة من الإجراءات الترقيعية, جاءت على شكل قرارات ارتجالية عاجلة, في حين لجأت الأنظمة العربية الأخرى إلى التجلبب بجلباب العفة والنزاهة والطهارة, والتظاهر بالسخاء والكرم مع أبناء الشرائح الاجتماعية القابعة في كهوف الجوع والفقر والفاقة.
وفي خضم هذه الانهيارات العربية المتلاحقة, كانت وكالات الأنباء تحكي للناس عن فضيحة الحكومات التي بالت على نفسها في عقر دارها من شدة الخوف والقلق, فتسابقت الفضائيات العالمية لنشر حلقات هذه المشاهد الكوميدية القبيحة, وعرضها على أبناء كوكب الأرض عبر قنواتها الناطقة بكل اللغات الحية والميتة, ومازالت الأوضاع حبلى بالزوابع والأعاصير والانقلابات السياسية, وتنذر بالمزيد من الصفعات والركلات للأنظمة الدكتاتورية المقيتة.
وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له متاعا ولم تضرب له وقت موعد