أحزان مريم البتول
غلّقتْ عَينَيهَا في محرابِهَا المقْدُودِ
بانْتِصافِ ليلةٍ و شمعَةٍ وعُودِ
تَهجُرُ المرصُودَ في وِجدانِها
بين حلمِ ووحي ربها المعبودِ
فتُلاقي في سعفةِ النّخِيلِ
بيادرا من ريحانةٍ وعودِ
حين يخْطَفها المغادرُ قلبها
في غفوةِ التّوحيِدِ
و غيبةِ الموجودِ
ينتابُها الوجدُ المُعافى في السّجودِ
واغْرورقت عينُ السّماءِ مُنقِذا
مدت يدا
قد طال وجدي فاستحال حزنُها
من رحمتي سعدَ السّعُودِ
فانتشت إذ يمسُ همسهَا
صوتُ الكلِيمِ إذ يُنادِي حلمُها من تحتِها
أن أَفِيقِي
أنّنا في انْتِصافِ ليلةٍ وشمعةٍ وعودِ
قد كتبنا للسماحةِ والهوى
مذبحا وآيةً من خلودِ
ذوّبنا في الضّياءِ بلسما
أنْ هُزّي بجذعِ النّخلِ يسّاقطْ
نجْماتٌ من سكينةِ القدرْ
ثمّ عمّدْنا تراتيلَ البشرْ
فاصدعْ التّرتيلَ غنّي بهِ
أنتَ الوليدُ المُنتظرْ
أخْفَيتِهِ في حمأةٍ من جحيمٍ مُنتظرْ
وسّدتِ دعوةَ الإنجيلِ
في مهدهِ الوثيرِ
بين رُعبٍ و حنِينٍ مُسْتعِرْ
تَمسحُ المصلُوبَ من شرايينَ الرّضا
تَمنَحُ العَاكِفِينَ في انْفِصَالِهمْ
عن القضاءِ والقدرْ
خمرَهم وشهوةَ الميلادِ
في خصيبٍ من زهرْ
أنت الوليدُ المُنتظرْ
عمّدت أيا وليدُها
حتى الطيور في أوكارِها
حتّى الشّجرْ
واحْتَمَلتَ من خيانةٍ خيانةَ الأصدافِ والغجرْ
وانْتَهُوا إلى عُمرِك المصلُوبِ
فوق أغصُانِ الشّجرْ
والبتولُ
في صمتِها الموجوعِ
تجمعُ الحمامَ واليمامَ في الضلوعِ
تُرضِعُ الغَمَامَ حُزنَها المرفُوعِ
في ارْتِخاءِ مُقلةٍ مسكونةٍ بالشّمُوعِ
مسكوبةً كليلِ قُدسِها الألِيمِ
في محرابِها لملمتْ لحمهُ البرئْ
أرضِعتُ نخلةً في انْطِفائِها الجرئْ
في سرابِها
وانْتَهى ، إنْتَهى الألقْ
حين سبّحَتْ عُصفُورةُ النّهارِ
وانْدثرْ
وَرْدُ وجنَتِيها ، وانْسَرقْ
عُمرُ ربها
وانْطفأ
نورُ الجبينِ واحْتَرقْ


د. السيد عبد اللهالمنوفية – مصر