بنت الملا.. المسجد الذي أرعب الطغاة

[محمدالفتلاوي]

مسجد كبير ينزوي بين أزقة الكوفة المتعبة من ضنك القهر والاضطهاد ضم بين مئذنتهِ وزواياه الكثير من الأحداث والرجال الذين خلدوا به وأصبحوا مقترنين بذكره، بني محبة للعلم والعبادة، بنته فتاة مؤمنة تدعى (ضفيرة) وهو بيتها الذي آثرت به لوجه الله تعالى وقامت بتدريس النساء فيه القراءة والكتابة وأحكام التلاوة وبعض الأحكام الفقهية الخاصة بالنساء وتوسع المسجد بالتدريج ليصبح من مساجد الكوفة المهمة، مرت على هذا المسجد أحداث كثيرة اختلفت بين مواسم القربات الى الله تعالى وحفلات التعذيب والاعدامات التي وأدت زهرة شباب من صلى فيه وارتاده طلبا للعلم والصلاة والثواب وقد كان النظام العابث يخشى هذا المسجد ويركز عليه خوفا من صدور ثورة تحطم أركان مملكته الهشة تنبثق من محرابه او احدى زواياه فاعتقل وأعدم معظم المصلين فيه والمترددين إليه...
أجواء روحية مغلفة بالرعب
قيم المسجد: رزاق حميدي جبر (55) عاما متكلما عن أهم الأمور التي تتعلق بالمسجد حيث قال: توالى على خدمة المسجد أناس كثيرون ممن يرجون الأجر والثواب أمثال الشيخ جواد والشيخ ياسين الضرير وعبد الرزاق وخدمتي في هذا المسجد لعشر سنين مضت ولا أزال أتنعم بهذا الفضل وأما بالنسبة لأهم رواد هذا المسجد فهم من أهالي المنطقة وغيرهم كثير ممن قصدوه للتعلم او الصلاة او تأثرا بشخصية الشيخ ماجد البدري فترة الثمانينات وقد بذل الكثير من الشهداء وصلى فيه بعض العلماء المعروفين أمثال السيد محسن الحكيم (قدس سره) وهو الذي قام بافتتاحه رسميا بعد ان كان قاعة مبنية من الطين تدرس فيها القراءة والكتابة والقرآن الكريم وأحكامه والتي قامت بتشييده بنت الملا (ضفيرة) بمعية أبيها الملة (يوسف) وبالأصل هو بيتها وكان صغيرا وقد إرتأت ان تتقرب الى الله تعالى وتتبرع به وتحوله مكانا للعلم والعبادة حيث كانت رحمها الله تقيم الدروس للنساء بما يسمى الكتاتيب او الملاية ولها دور بارز في تعليم وتثقيف نساء المنطقة بالقرآن الكريم وأحكام تلاوته والأحكام الشرعية الخاصة بالنساء وكيفية التعامل مع الزوج وتربية الأطفال وحتى الطبخ وأمور المنزل بالإضافة الى القراءة والكتابة ثم تبرع أهل الخير والاحسان لتوسيع وترتيب وترميم المسجد واضافة الأجزاء والملاحق ويعد المسجد من البنايات القديمة بما يسمى العكود وقبابها من النوع الاسلامي القديم المصنوع من السبوس (بقايا نبتة الشلب) ومن مميزاته انه بارد صيفا، دافئ شتاءً فضلا عن كونه يمتاز بأجواء روحية لأنه أسس على تقوى من الله ورضوان.
الشيخ ماجد البدري
من أهم رجال الدين الذين تم اعتقالهم فيه هم: المفكر والداعية الاسلامي الشيخ ماجد البدري (رحمه الله) والذي تميز بشخصيته المهيمنة على النفوس وتأثر به الكثير من الشباب الذين لم يكونوا ملتزمين بالصلاة وقد كان هو المبادر بالسؤال والموعظة والارشاد وله محاضرات يومية امتازت بحسن الأسلوب وغزارة العلمية والثقافة التي كان يتمتع بها ليدخل الى قلوب الجميع وتأثروا به أيما تأثير وله أسلوب خاص بالتعامل مع الشباب فقد كان يجالسهم ويشاركهم اهتماماتهم ومناسباتهم ويمتلك روح الدعابة والملاطفة ولم يكن من طراز رجل الدين التقليدي أبدا وأذكر انه كان معتقل في الزنزانة المجاورة لزنزانتي وكان يدأب في تقوية عزائم المعتقلين ويحثهم على الارتباط واللجوء الى الله تعالى، وللشيخ وكالة من السيد الخوئي (رحمه الله) وله علاقة متينة بالسيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) لأنه من تلامذته واستمر نشاطه من أيام السبعينات أيام المد الشيوعي وحتى الاعتقالات المتتالية التي كان آخرها الاعتقال الذي أعدم فيه سنة 1981 بقرار من محكمة الثورة بتاريخ 8/14 من العام نفسه وكانت فترة عصيبة جدا تميزت بالاعتقالات والاعدامات لمجرد الشك وكان التركيز على هذا المسجد لأنهم يعتبرونه وكرا مهما من أوكار حزب الدعوة الاسلامية لأن الشباب الجامعي وشباب المنطقة والمناطق القريبة كانت تقصده حبا بالشخصية ذات التأثير الساحر المرحوم الشيخ البدري وتم في حينها اعتقال الكثير من الشباب وكل من يدخل المسجد يعتقل وبما أني كنت من رواده ولم أكن حينها قيما فيه حيث تم اعتقالي ايضا مع مجموعة كبيرة من المؤمنين من مصلي المسجد سنة 1981 أمثال رحمن مشكور ومهدي عبدين وقد كان معي في نفس الزنزانة رزاق صفر وكنت أجمع العناوين الدقيقة لمحال سكناهم لأبلغ أهاليهم بمكان تواجدهم لأن في ذلك الوقت الذي يتم اعتقاله ينقطع أثره تماما وكنت أدون على ورقة صغيرة وأخفيها في سروالي وفعلا عندما أفرج عني لعدم كفاية الأدلة وأبلغت أهالي المعتقلين بالأمر وكان ممن أعدم بعض المدرسين الذين يعملون في الثانوية الموجودة في المنطقة مثل أستاذ كاظم مدرس الأحياء وأستاذ عبد المنعم وأستاذ محمد علي دعيبل وقد كانت المعلومات تصل الى دوائر الأمن من خلال الوكلاء الذين يرتادون المسجد كمصلين ولم يكتفوا باخباراتهم فقاموا بدس كاميرا تصوير فديو في البيت المقابل للمسجد ليروا كل من يدخل المسجد ويعتبر التصوير دليلا قاطعا في اثبات ادانة المصلين الذين اعتبروهم متآمرين على الحكومة ومخططين لاسقاطها ومن جملة من أعدم مع أولاده سيد مهدي سيد ياسين وأود أن أذكر الأجواء الروحية التي يزدهي بها المسجد من أدعية ومناجاة وتلاوات القرآن وأدعية رفع المصاحف وإحياء ليالي القدر بالصلاة والتهجد والدعاء والتسبيح وحلقات الدروس الفقهية التي كانت عامرة باشراف سيد حسن النفاخ الذي أعتقل وحين أطلق سراحه سافر الى ايران وعاد الى العراق بعد سقوط النظام ليواصل عطاءه العلمي في حوزة النجف الأشرف بالاضافة الى وجبات الطعام والموائد التي تقدم الى المصلين والأيتام والعوائل المتعففة وعندي معلومات عن أناس مقربين من الحكومة ينقلون الأخبار فيقولون ان هذا المسجد مفزع للنظام وكان يعتبر دليلاً كافياً لأن يحكمونك بسببه اذا كنت ترتاده، وبعض الأخوة تمكن من تغيير إفادته وبتدخل الوساطات فنجوا من حكم المحكمة واستمرت موجة الاعتقالات من نهاية السبعينات وحتى سقوط النظام وكانوا يجندون ضعاف النفوس من الشباب المنحل والذين بدورهم ينقلون كل التفاصيل الى مديرية الأمن وأذكر حادثة حصلت في تلك الفترة ان أحد الشباب تأخر في المسجد لأنه كان مريضا وقد تأخر في بيت الخلاء فعندما خرج أعتقل لأنهم شكوا في انه قد إلتقى بأحد المصلين ونقل له معلومات خطيرة لها مساس بأمن الدولة وأود اضافة شيء مهم من المشاهدات في المعتقل ان الشهيد الشاعر علي الرماحي (رحمه الله) كتب على باب محجره بيتين من الشعر القريض يجسدان حاله وحال المؤمنين معه ويعد هذا تحد صريح للحكومة لعلمه بأنه سيعدم لا محال، وأسلوب التعذيب الذي تعاملوا به معنا كان فظيعا ولا يمكن احتماله اطلاقا فتراهم يعرون من يطلبون منه الاعتراف تماما ويشدون يديه بما تسمى الجامعة ويعلقونه منها ويأتي بمعتقلين آخرين فيقتلهم أمام عينيك ليشكل ضغطا مضافا حتى تعترف بكل ما تعرف وما لا تعرف ومرة يقوم بتعليقك بالمروحة حتى ينخلع كتفيك فضلا عن الآلة الكهربائية ذات القطبين فيربطون إحداهما بصدرك في موضع (الحلمة) والآخر في موضع التبول (الذكر) وأسلوب شنيع آخر استخدموه معنا هو احضار أخت او زوجة او أم المعتقل فيغتصبونها أمام ناظريه ليتكلم في حالة انهياره بكل ما يمكن ان يتذكره او يعرفه وموجود نساء صعدن الى المحكمة وهن حوامل علما بكونهن بواكر غير متزوجات وأذكر أبان الحرب العراقية الايرانية كانوا يشددون علينا التعذيب ليحصلوا على معلومات لعلهم يكشفون ارتباطا معينا بإيران.
الكاميرا أوقعتني والواسطة أخرجتني
وأضاف الأخ صادق حفيد الحاج كاظم الشمري باعتباره من رواد المسجد هو وأبيه وجده الرجل التاجر الذي سعى في خدمة الفقراء والأيتام وخصوصا عوائل المعتقلين بقوله: لي الفخر ولوالدي وجدي باعتبارهما من الوجهاء وكان جدي من التجار المعروفين في الكوفة وطريقته عجيبة في التجارة حيث ان المسبحة لم تفارقه أبدا وان عرضت عليه بضاعة معينة لا يقطع حتى يستخير الله بالمسبحة وكان هذا الأمر الذي اعترض عليه الكثير به مجلبة للربح الوفير وقد أكد على صحة هذا الكلام الحاج محسن كاظم ابنه مضيفا حادثة مرت به مع والده ومساعدته للمحتاجين من رواد المسجد وعوائلهم حيث أعطاني مبلغا كبيرا في وقته (سبعة دنانير) وقال لي اشتر بهن حلوى (الحلقوم) فاعترضت عليه قائلا: لنشتر بهن ملابس وطعام فأجابني نعم اشتر هذا ولكن عليك ايضا ان تشتري لهم (الحلقوم) وأذكر ان ممن أم الناس للصلاة في الجامع السيد علي القزويني والشيخ الكوراني ايضا لفترة من الفترات.
احد رواد المسجد الذي كان معتقلا بتهمة الصلاة فيه أكد وجود كاميرا فديو موضوعة في البيت المقابل للمسجد حيث قال: أنني أفلت وأنكرت أية علاقة لي بالمسجد ولكنهم شغلوا التصوير وعرضوا كيفية دخولي وخروجي منه وكنت حينها في الخامس العلمي وبفضل الله أولا والوساطة التي تدخلت لإخراجي من المعتقل وأطلق سراحي وتم تحويل الآخرين الى مديرية الأمن العامة وأعــــــدم بعضهم وسجن البعض الآخر.

[ام فيصل]

لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم

لم اعلم بزمن افظع من زماننا الذي بات فيه المسجد والصلاة فيه
ترعب الحكام ويعدم لأجله الاف الأبرياء

اي زمن هذا

ولينظر الطغاة الذين ارادوا ان يطفئوا نور الله بافواههم وأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون


شكرا لك عزيزي
على هذا الموضوع

مع تحياتي لك

[@عراقية@]

سبحان الله رواد المساجد لا يأمنون على أنفسهم بينما يأمن أصحاب اللهو واللعب
ولكن هكذا أقتضت حكمة رب العزة ليختبر المؤمنين وينتقي منهم جنودا لصاحب الامر روحي لمقدمه الفدا.. ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا..
تغمد الله الشهداء برحمته الواسعة
جزاكم الله كل خير اخي محمد

[محمدالفتلاوي]

انشاء اللة الوعد قريب جدآ لظهور الموعود

[رونق الحياة]

احسنتم اخي وبارك الله بكم
ووفقكم الله تعالى وقضى حوائجكم