القلب بين الطب .. والأدب
القلب
بين الطب .. والأدب
الدكتور حسان شمسي باشا
عندما يعزف القلب أغنية الحياة ، يغزل المحبون والشعراء والفنانون أنسجة القصائد على تداعيات هذه الألحان .
والقلب كتلة من اللحم وزنها في الإنسان الكهل 280 - 340 غ ، وسمي قلبا لكونه في وسط البدن تقريبا ، فقلب كل شيء وسطه وليه . وقال بعضهم سمي قلبا لأن وضعه قلوب في البدن . فقمته في الأسفل ، وقاعدته في الأعلى . ولكن أحد الشعراء يرأى رأيا آخر
ما سمي القلب إلا من تقلبه=== والرأي يصرف بالإنسان أطوارا
والقلب أمير البدن بلا منازع ، كل عضو في البدن ، وطل خلية فيه بحاجة إليه ، حتى الدماغ إذا قطع القلب الدم عنه مات بعد 4 دقائق ..
وإذا عاش الإنسان سبعين عاما ، فإن القلب يكون قد نبض حوالي 3 مليارات نبضة ، وضخ حوالي 200 مليون لتر من الدم طوال تلك الحياة . والقلب هو العضلة الوحيدة التي لا تتوقف عن العمل طوال حياة الإنسان . وإذا كان القلب عند الأطباء مستقرا في مكانه في تجويف الصدر ، فإنه عند الأدباء يتلفت ذات اليمين وذات الشمال .
ويؤكد أديب العلماء الشيخ علي الطنطاوي أن القلب يتلفت ويبصر ويتكلم في عالم الشعر فيقول :
" والقلب يتلفت ، نعم يتلفت ، فلا تصدقوا أخبار العواذل من الأطباء الذين يرجفون بأنه ليس إلا عضلة ملساء .
ولقد مررت على ديارهم == وطولها بين البلى نهب
فوقفت حتى لج من لغب ==نضوى ولج بعذلي الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت ==عنى الطول تلفت القلب
يتلفت ليرى المنازل وأهلها ، ثم يبعد الركب فلا يرى إلا حيا كلها ، ثم يبعد الركب أكثر فلا يرى إلا دخانها ، ثم ترمي بالركب المرامي فلا يرى شيئا ، عندئذ يبصرها القلب بعينه التي لا يحجبها الناي ولا الليل ولا المنام .
تلفت حتى لم يبن من بلادكم ==دخان ولا من نارهن وقود
وإن التفات القلب من بعد طرفه ==طـوال الليـالي نحوكم ليـزيد
والهوى يتجسم في عالم الشريف الرضي إنسانا ، ويزور الشاعر فينصحه ألا يفارق أحبابه ، فإذا لم يسمع نصح الهوى ، جاء القلب فكلمه وضرب له الأمثال :
ولما تدانى البين قال لي الهوى ==رويدا ، وقال القلب : أين تريد ؟
أتطمع أن تسلو على البعد والنوى ==وأنت على قرب المزار عميد ؟ "
ويؤكد بشار بن برد أن القلب في موطن الهوى يبصر قبل العين ، ويسمع قبل الأذن فيقول :
دعوا قلبي وما اختار وما ارتضى == فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
وما تبصر العينان في موضع الهوى ==ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
والعين هي الطريق الموصل إلى القلب كما يقول البحتري :
وما كان حظ العين في ذاك مذهبي == ولكن رأيت العين بابا إلى القلب
كما أن دموع العاشقين هي الألسنة التي تنطق بها القلوب . يقول ديك الجهني الحمصي :
دموع العاشقين إذا توالت ==بظهر الغيب ألسنة القلوب
وفي جراحة القلب يقوم الجراح بشق الجلد بمبضعه ، ثم يقص عظم القص بمنشار خاص قبل أن يصل إلى القلب ليجري عليه عملية جراحية . ولكن سهام " البدور " عند المتنبي تصل إلى القلوب قبل الجلود !!
عمرك الله هل رأيت بدورا ==طلعت في براقع وعقود ؟
راميات بأسهم ريشها الهدب==تشق القلوب قبل الجلود
وفي نفس المعنى يقول كثير عزة :
رمتني بسهم ريشه الهدب لم يضر ==ظواهر جلدي وهو في القلب جارح
وكثيرا ما تحدث الشعراء عن جروح القلب ، فلا مباضع ولا سهام ، بل مجرد تذكر الحبيب كاف لأن يحدث جرحا في القلوب .
قال ذو الرّّمة :
إذا خطرت من ذكر مية خطرة ==على القلب كادت في فؤادك تجرح
ولعل نظرة من نظرات الحبيب لا تجرح القلب فحسب ، بل تودي بالحياة !! . قال ابن الرومي :
نظرت فأقصدت الفؤاد بلحظها == ثم انثنت عنه فظل يــهيم
فالموت إن نظرت وإن هي أعرضت ==وقع السهام ونزعهن ألـيم
ومسكين ذلك القلب المجروح ، فحتى شهادته لا تقبل عند الخصام .
يقول الطبيب الشاعر شاكر الخوري :
وسألتها هل بالأكيد تحبني ==قالت : فؤادك شاهد يا روحي
فأحببتها أهل الهوى لن يقبلوا ==أبدا شهادة شاهد مجــروح
وكثيرا ما تتحسن أمراض القلب بالأدوية الحديثة من موسعات لشرايين القلب إلى ما يزيد القلب قوة وعزما ، إلا أن من أدواء القلب ما يزداد نكسا بالدواء !! قال الفاضل اليماني :
لله داء في الفؤاد أجنه == يزداد نكسا كلما داويته
ولا شك أن الضغوط النفسية الشديدة والمصائب العظام تؤثر سلبا على القلب ، فكم رأينا من حالات " جلطة القلب " ( احتشاء عضلة القلب ) ، ساهم في إحادثها تعرض المريض لضغط نفسي شديد . قال الشاعر :
احرص على حفظ القلوب من الأسى ==فصفاؤها بعد التكدر يعسر
وإذا كان القلب يبدو واضحا على شاشة تصوير القلب بالأشعة فوق الصوتية ( الايكو ) ، فنرى ما فيه من صمامات ، وضعف أو توسع في عضلة القلب ، في انقباضه وانبساطه ، فإن الأطباء يعجزون عن إدراك ما في القلب من أحاسيس ومشاعر .
ويأبى الذي في القلب إلا تبينا ==وكل إناء بالذي فيه يرشح
وقد تصاب عضلة القلب بالتضخم والقساوة ، وخاصة عند المسنين ، أو عند المصابين بارتفاع ضغط الدم الشديد . ولكنه قد يكون قاسيا عند المحبوب ، فلا يحن ولا يلين . يقول صريع الغواني مسلم بن الوليد :
أحب من حبكم من كان يشبهكم ==حتى لقد كدت أهوى الشمس والقمرا
أمر بالحجر القاسي فألثمـــه ==لأن قلبك قاس يشبـــه الحجـرا
ويقال في الأدب : إن أحن القلوب هو قلب الأم ، وأكثرها صفاء قلب الطفل ، وأشدها غلظة قلب الجاحد ، والقلب المريض قلب الكافر ، والضعيف قلب المتردد . والقلب الأسود الذي يختزن الضغينة والإساءة .
خفقان القلب :
والخفقان هو الشعور بضربات القلب ، أو الإحساس بوجود ضربات سريعة وقوية في القلب .
قد ينجم الخفقان عن اضطراب بالتسرع فجأة ، ويخفق بضربات سريعة وكأنه يركض . ويشعر المريض عادة بهذا التسرع إذا ما ازدادت ضربات قلبه عن 100 ضربة في الدقيقة .
وقد تصل سرعة ضربات القلب إلى 200 ضربة في الدقيقة ويسمى " التسرع ما فوق البطيني " .
وهذا عمران بن حطان يعير الحجاج بن يوسف الثقفي لأنه نكص عن ملاقاة " غزالة " فقال :
أسد علي وفي الحروب نعاقــة == فتخاء تنفر صفير الصافــر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ==بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس ==تركت مدابره كأمس الدابـــر
وكثيرا ما عبر الشعراء عن إحساسهم بالخفقان لدى رؤية المحبوب أو البعد عنه . فهذا الشريف الرضي فارق محبوبه فصار قلبه يعدو كالحسان السريع حتى كاد يطير .
أشكو إلى الله قلبا لا قرار لــــه ==قامت قيامته والناس أحيـــاء
إن نال منكم وصالا زاده سقما ==كأن كل دواء عندكــــم داء
كأن قلبي يوم البين طار بـــه ==من الرقاع نجيــب الساق عداء
وقال ابن المعتز يصف ما أحدث الفراق في قلبه وجسمه :
ومتيم جرح الفراق فـــؤاده == فالدفع من أجفانه يتدفــق
بهرته ساعة فرقة فكأنمــــا ==في كل عضو منه قلب يخفق
أما ابن زيد فيدعو على قلبه أن لا يسكن ولا يهدأ من الخفقان فيقول :
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقـا==والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
لا سكن الله قلبا عن ذكركم ==فلم يطر بجناح الشــــوق خفاقا
ويصف علي بن الحسين الخفقان السريع الذي ينتابه ، وكأنه الطائر الذي تخفق أجنحته في صدره وهو يبحث عن طريق للفرار ، والجواغ الذي تطبق عليه من كل جانب . وكثيرا ما يشعر المريض أثناء الخفقان بضيق في صدره ، وانقباض في جوانحه :
كأن فؤادي طائر بين أضلعي ==يريد فرارا والجوانح تطـبق
كأن عدا أبي حوله شرك لـه ==تنسب فيه فهو للخوف يخفق
وهذا عروة بن حزام يصف ما انتابه من خفقان من حب عفراء :
على كبدي من حب عفراء قرحة ==وعينان من وجدي بها تكفــــان
كأن قطاة علقت بجناحــــها ==على كبدي من شدة الخفقــــان
أجارنا الله وإياكم من الخفقان وسلم القلوب من كل داء !
منقول
____________