السلام عليكم احببت هنا تقديم نبذة بسيطة عن حياة الشاعر العراقي
{{{بدر شاكر السياب}}}
وسيرته الادبية
بدر شاكر السياب (24 ديسمبر 1926-1964م) شاعر عراقي ولد بقرية جيكور جنوب شرق البصرة. درس الابتدائية في مدرسة باب سليمان في أبي الخصيب ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية وتخرج منها في 1 أكتوبر 1938م. ثم أكمل الثانوية في البصرة ما بين عامي 1938م و 1943م .ثم انتقل إلى بغداد فدخل جامعتها دار المعلمين العالية من عام1943 م الى 1948م، والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة أتيحت له الفرصة للإطلاع على الأدب الإنجليزي بكل تفرعاته.
سيرته الأدبية
اتسم شعره في الفترة الأولى بالرومانسية وبدا تأثره بجيل علي محمود طه من خلال تشكيل القصيد العمودي وتنويع القافية ومنذ 1947 انساق وراء السياسة وبدا ذلك واضحا في ديوانه أعاصير الذي حافظ فيه السياب على الشكل العمودي وبدأ فيه اهتمامه بقضايا الانسانية وقد تواصل هذا النفس مع مزجه يثقافته الإنجليزية متأثرا بإليوت في أزهار وأساطير وظهرت محاولاته الأولى في الشعر الحر وقد ذهبت فئة من النقاد إلى أن قصيدته "هل كان حبا" هي أول نص في الشكل الجديد للشعر العربي ومازال الجدل قائما حتى الآن في خصوص الريادة بينه وبين نازك الملائكة.وفي أول الخمسينات كرس السياب كل شعره لهذا النمط الجديد واتخذ المطولات الشعرية وسيلة للكتابة فكانت "الأسلحة والأطفال" و"المومس العمياء" و"حفار القبور" وفيها تلتقي القضايا الاجتماعية بالشعر الذاتي. مع بداية الستينات نشر السياب ديوانه "أنشودة المطر" الذي انتزع به الاعتراف نهائيا للشعر الحر من القراء وصار هو الشكل الأكثر ملائمة لشعراء الأجيال الصاعدة وأخذ السيات موقع الريادة بفضل تدفقه الشعري وتمكنه من جميع الأغراض وكذلك للنفس الأسطوري الذي أدخله على الشعر العربي بإيقاظ أساطير بابل واليونان القديمة كما صنع رموزا خاصة بشعره مثل المطر، تموز، عشتار، جيكور قريته التي خلدها. وتخللت سنوات الشهرة صراعات السياب مع المرض ولكن لم تنقص مردوديته الشعرية وبدأت ملامح جديدة تظهر في شعره وتغيرت رموزه من تموز والمطر في "أنشودة المطر" إلى السراب والمراثي في مجموعته "المعبد الغريق" ولاحقا توغل السياب في ذكرياته الخاصة وصار شعره ملتصقا بسيرته الذاتية في "منزل الأقنان" و"شناشيل ابنة الجلبي" . سافر السياب في هذه الفترة الأخيرة من حياته كثيرا للتداوي وكذلك لحضور بعض المؤتمرات الأدبية وكتب في رحلاته هذه بوفرة ربما لاحساسه الدفين باقتراب النهاية. توفي عام 1964 م بالمستشفى الأميري في الكويت، عن 38 عام ونقل جثمانه إلى البصرة و دفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير.
دواوينه
أزهار ذابلة1947م.
أعاصير 1948
أزهار وأساطير1950م.
فجر السلام 1951
حفار القبور 1952م. قصيدة مطولة
المومس العمياء م1954م. قصيدة مطولة
الأسلحة والأطفال 1955م. قصيدة مطولة
أنشودة المطر 1960.
المعبد الغريق 1962م.
منزل الأقنان 1963 م.
شناشيل ابنة الجلبي 1964م.
نشر ديوان إقبال عام 1965م، وله قصيدة بين الروح والجسد في ألف بيت تقريبا ضاع معظمها. وقد جمعت دار العودة ديوان بدر شاكر السياب 1971م، وقدم له المفكر العربي المعروف الأستاذ ناجي علوش. وله من الكتب مختارات من الشعر العالمي الحديث، ومختارات من الأدب البصري الحديث.
من اروع قصائده
قصيدة أنشودة المطر، والتي كتبها السياب عام 1954م، تمزج بين همّ الشاعر الشخصي وهمّه الوطني، فنجده تارةً يتحدث عن حاله وتارةً عن حال العراق وصراعاته. يبدأ الشاعر قصيدته بوصف عيني محبوبته، فيصفهما بغابات النخيل في سوادهما ساعة الحر وبالشرفتين اللتين يغرب عنهما القمر، في قوله:
"عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القمرْ"
ويكمل الشاعر بوصف العينين. ثم يتدرج الشاعر من وصفه لمحبوبته إلى وصف حاله وحال العراق أيضاً فيقول:
"والموت، والميلاد، والظلام، والضياءْ"
وذلك للدلالة على حالة عدم الاستقرار التي تنتابه و التي ربما كانت تجتاح العراق في ذلك الوقت حيث أن العراق كان يشهد تقلباتٍ سياسية وفكرية واجتماعية واقتصادية متعددة، وإن في ذكر السياب لهذه التناقضات إنما هو مقدمة أن هناك عدم استقرار في نفسه أو في العراق. وفي مقطعٍ أخر يقول متشائماً:
" كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباكْ
ويلعن المياه والقَدَرْ
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ"
وفي ذلك تجسيد لفكرة يعبر عنها شاعرنا في عدة مواضع في القصيدة، ألا وهي فكرة أن المطر فألٌ سيّء و باعثٌ للحزن، فيقول معبراً عن مأساة شعبٍ جائع لا يريد المطر لأنه لا يزيده شبعاُ، فكأن هذه الحالة شبيهة وحالة الصيّاد الذي يلعن المياه والقدر لأن في هطول المطر خرابٌ لصيده، وذلك لأنه لا يزيده إلا جوعاً. ويعود السياب ليخلط بين همّه الوطني والشخصي في القصيدة، فيتحدث عن حاله و عن حال العراق في قوله:
أصيح بالخليج: (يا خليجْ
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى!)
فيرجعٍُ الصّدى
كأنه النشيجْ:
(يا خليج
يا واهب المحار والردى .. )
وفي أبياته السابقة يجسد السياب مأساة الخليج العظمى، حيث الخير الوافر لكن ليس لمن يحتاجه، فيستنجد شاعرنا بهذا الخير صائحاً لكن صوت الصدى يعود مدوياً: "يا واهب المحار والردى". وفي حديثه عن موضوع ذات صلة يقول أن في العراق جوعاً دائماً، فأصحاب النفوذ الطغاة لا يتركون خيراً لشعب العراق، فهم كالجراد الذي اذا حلّ على الأخضر أكله ولم يبق منه شيئاً، فيقول:
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجَرادْ
وكما جسّد السياب التشاؤم والحزن فيه وفي العراق، يعود للتفاؤل و الأمل بمستقبلٍ أفضل. فحين كان السياب يستخدم المطر للدلالة عاى الحزن فيستخدمه لاحقاً في لازمته للدلالة على الخير و التفاؤل، فيقول:
مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
سيُعشبُ العراق بالمطرْ ...
وفي موضعٍ أخر يتفائل الشاعر بحاله وبحال موطنه ويقول قاهراً معاناته ومتحدياً معاناة شعب العراق:
في كل قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ
وكلّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسم جديدْ
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياةْ!
ويؤكد هنا على أنه مهما طال الظلام فسيبزغ فجرٌ جديد ليمحو كل هذه المعاناة و الصراعات. وفي مقطعٍ أخر يتحدث عن وجود بريق أملٍ في الخليج، فكأن هناك تجمعات على سواحل الخليج للنجوم ويقصد فيها الأمل والثورة، وكأن هذه الثورة (النجوم) تهم بالشروق و النهضة، حيث يقول:
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
سواحلَ العراق بالنجوم والمحارْ،
كأنها تهمّ بالشروقْ
في هذه القصيدة تمتزج الطبيعة بالأدب لتخلق صوراً فنية وجدانية ملؤها الحزن و الأسى تجعلنا نحس إحساس السياب ونتلمس صراعاته التي كانت تنتابه أثناء كتابته لهذه القصيدة.لقد لخصت هذه القصيدة كل مشروع السياب الشعري.
ورغم الشهرة الواسعة التي حققتها قصيدة أنشودة المطر لم تخل المجموعة الشعرية من قصائد أخرى قد تتجاوزها في عمقها أو في صياغتها كقصيدة "النهر والموت" مثلا التي يقول السياب في أواخرها: أود لو عدوت لأعضد المكافحين أشد قبضتي ثم أصفع القدر أود لو غرقت في دمي إلى القرار لأحمل العبء مع البشر وأبعث الحياة ان موتي انتصار
وقصيدة "غريب على الخليج" كانت من أقرب القصائد إلى حس السياب التفجعي وقد رافقه مفهوم الغربة في الكثير من القصائد الأخرى مثل جيكور والمدينة مع بعض مسحة تشاؤمية قاتمة في قصيدة المبغى. وظهرت في هذه المجموعة رواسب من تجارب السياب السابقة بتناوله شخصيات اجتماعية كما فعل في "حفار القبور" فكانت شخصية "المخبر" بصور حية خلاقة.كما لازمت القضايا العالمية السياب في هذه المجموعة من خلال اطلالات على النضال العربي في المغرب العربي وتمرير مواقفه من الحرب في قصيدته العمودية "مرثية الآلهة" أو بورسعيد.
لكن الفضل الأهم لأنشودة المطر يبقى ظهور البوادر الأولى لاستلهام الثراث الأسطوري في شعر السياب ومنه في الشعر العربي الحديث، وتماهت شخصيته بتموز وبالمطر كما تماهت صورة العراق بعشتار والمدينة وصارت مفاتيحا لفهم عالمه الشعري. ولم يقتصر السياب على الأسطورة اليونانية على عادة الشعراء الأوروبيين بل أخذ ينهل من التراث البابلي فأحيا رموزا لا تزال إلى اليوم فاعلة في وعي الشعراء وبلغ السياب النضج الكامل في هذه التجربة في قصيدة "مدينة بلا مطر". ونجد رموزا أخرى في شعر السياب كشخصية المسيح في قصيدة" المسيح بعد الصلب" وهكذا ظل ارتباط السياب بجذوره الثقافية في مستوى تحليقه في آفاق جديدة.
وبعد مرور قرابة نصف قرن ما تزال هذه المجموعة الشعر أهم ما نشر في الشعر الحر فقد كانت بدون منازع حجر الزاوية في بناء الصرح الشعري الذي تفيأ في ظلاله كل الشعراء اللاحقون وبين للجميع تجاوز الشعراء للقيود العمود وأقنعت المؤسسة النقدية العربية بجدوى هذا الشكل الجديد.
أنشودة المطر
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القمرْ.
عيناكِ حين تَبسمانِ تورقُ الكروم.
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهناً ساعة السَّحَرْ
كأنما تنبض في غوريهما، النّجومْ ...
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساءٍْ،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريفْ،
والموت، والميلاد، والظلام، والضياءْ؛
فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاءْ
ونشوةٌ وحشيّةٌ تعانق السماءْ
كنشوة الطفل إذا خاف من القمرْ!
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرة فقطرةً تذوب في المطرْ ...
وكركر الأطفالُ في عرائش المكرومْ،
ودغدغت صمت العصافير على الشجرْ
أنشودةُ المطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ
تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثِقالْ.
كأنّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينامْ:
بأنّ أمّه ـ التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالْ
قالوا له: (بعد غدٍ تعودْ .. )
لابدّ أن تعودْ
وإنْ تهامس الرفاق أنها هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطرْ؛
كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباكْ
ويلعن المياه والقَدَرْ
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ.
أتعلمين أيَّ حُزنٍ يبعث المطرْ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمرْ؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياعْ؟
بلا انتهاء ـ كالدَّم المراق، كالجياعْ،
كالحب، كالأطفال، كالموتى ـ هو المطرْ!
ومقلتاكِ بي تطيفان مع المطرْ
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
سواحلَ العراق بالنجوم والمحارْ،
كأنها تهمّ بالشروقْ
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ.
أصيح بالخليج: (يا خليجْ
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى!)
فيرجعٍُ الصّدى
كأنه النشيجْ:
(يا خليج
يا واهب المحار والردى .. )
أكاد أسمع العراق يذْخُر الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،
حتى إذا ما فضَّ عنها ختمها لرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطرْ
وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرينْ
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوعْ،
عواصف الخليج، والرعود، منشدينْ:
(مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجَرادْ
وتطحن الشّوان والحجرْ
رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ
مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ
ثمّ اعتللنا ـ خوفَ أن نُلامَ ـ بالمطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
ومنذ أنْ كنّا صغاراً، كانت السماءْ
تغيمُ في الشتاءْ
ويهطل المطرْ،
وكلَّ عام ـ حين يعشب الثرى ـ نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعِراق ليس فيه جوعْ.
مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
في كل قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ
وكلّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسم جديدْ
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياةْ!
مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
سيُعشبُ العراق بالمطرْ ... )
أصيح بالخليج: (يا خليج ..
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى!)
فيرجع الصدى
كأنّه النشيج:
(يا خليج
يا واهب المحار والردى.)
وينثر الخليج من هِباته الكثارْ،
على الرمال: رغوه الأُجاجَ، والمحارْ
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريقْ
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجَّة الخليج والقرارْ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى.
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليجْ
(مطرْ ...
مطرْ ...
مطرْ ...
في كلّ قطرةٍ من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ.
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديدْ
أو حُلمةٌ تورَّدت على فمِ الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة.)
ويهطل المطرْ ..
مع تحياتي