أن ترى صباحاً طفلاً بثياب المدرسة متجهًا إلى مدرسته أو منتظرًا الباص ليقله، أمر طبيعي بل من المسلمات وقد لا يلفت المشهد نظرك لأنّك معتاد عليه، لكن أن تشاهد في الصباح طفلًا بثياب العمل المتّسخة، وكرب العائلة وهموم الدنيا باديةً على وجهه هو ليس بالطبيعي أو المقبول. إنّ الأسباب التي تدفع بالأطفال إلى سوق العمل كثيرة ومتعددة وعلى رأسها الفقر.
وتتحدّث آداب الشعوب بكثرة عن الفقراء والأغنياء، كما لا تخلو الأديان من ذكر واجب الأغنياء تجاه الفقراء باعتبار الفقر والغنى محنة لهؤلاء وامتحانًا لأولئك، و يتقاسم البشر العديد من الصفات، بغض النظر عن الطبقات التي ينتمون إليها، أي يتقاسمون الهواء نفسه و يعيشون في عالم واحد، يشعرون بالفرح و الحزن و الألم أي لديهم الإحساس نفسه، فهم يحبون، ويكرهون و يأملون. فالعالم منذ الأزل مقسوم بين طبقتين أساسيّتين ألا وهما طبقة الأغنياء و طبقة الفقراء، و ما تلبث اليوم أن تشهد هاتان الطبقتان التقسيم ذاته مع اضمحلال الطبقة الوسطى و إندثارها، علماً أنّ البقاء هو للأقوى دائماً.
يعاني العالم توسّع الطبقة الفقيرة التي تؤثّر فيها العوامل السياسية خاصة تأثيراً سلبيّاً، فالغلاء المعيشي في تصاعد مستمر بحيث بات من الصعب على البعض شراء حاجاتهم الأساسية . "ولا يستغرب أحد وجود الفقر في مجتمع ما لأنه موجود في جميع المجتمعات، وكأنما هو من خصائص كل مجتمع، إلاّ أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونسبة الفقراء في المجتمع".
فهناك من ينعم بالمال و الرخاء و الكماليات و لا ينقصهم من الأمور المادية شيء و البعض الآخر يتخبط في الفقر، السبب الأساسي للمجاعة و الإنحراف و الإنجراف وراء المال. وتتشعب مشاكل الفقر ومسبباته من معدلات بطالة وسوء تغذية ومشردين ولاجئين وأبناء مخيمات وأطفال شوارع و غيرها، مما جعل مكافحة الفقر أكثر صعوبة وتتطلب معالجات مختلفة ومزيد من البرامج المتخصصة التي تتناسب مع حالات الفقر المتنوعة التي تتزايد حول العالم. فالمفارقة أن الدول تلوم الفقراء على ثوراتهم و تصرفاتهم، إلا أنّها لا تعيرهم اهتماماً أو تحاول انتشالهم من حياتهم المظلمة. وفي هذا الصدد قال أرسطو: "الفقر يحضن الجريمة و الثورة".
أما بالنسبة إلى ملايين الأطفال في أنحاء مختلفة من العالم، فان مفهوم الفقر يتجاوز مجرد قلة المال إذ يعني "فقدان القدرة على التحكّم في حياتهم والضعف والانصياع لإرادة الآخرين"، وهو ما يعني امتهان أنفسهم للتمكن من الوفاء بالتزاماتهم أي العجز عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والشعور بالتفاهة بالمقارنة مع الآخرين، وفوق كل ذلك، فانّه يعني الحرمان من اغتنام الفرص التي تمكنهم من تحسين ظروف حياتهم ومعيشتهم.