كانت عقارب الساعة تتعانق معلنة انتصاف يوم جديد، بينما كانت طوابير السيارات تزدحم أكثر فأكثر على حاجز زعترة العسكري الفاصل بين مدينتي رام الله ونابلس في الضفة الغربية، فجأة تتجاوز سيارة إسرائيلية ببطء طوابير السيارات الفلسطينية، وما إن وصلت تلك السيارة إلى جانبنا حتى ارتفع صوت كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم، وهي تردد «رجعوني عنيك لأيام إلي راحوا، علموني أندم على الماضي وجراحو».
الصوت المرتفع وقت الظهيرة، وبينما كانت أشعة الشمس تبعث بحرارتها وأشعتها على رؤوس الفلسطينيين من «عابري الحاجز» ووجوهم، دفعت الجميع إلى التحديق في مصدر الصوت، فمن غير المعقول أن تتجاوز سيارة فلسطينية طوابير السيارات على الحاجز بسبب التعليمات من قبل الجنود، والإسرائيليون فقط مسموح لهم بالتجاوز، فوجئ الجميع أن أم كلثوم تغني في سيارة أحد الإسرائيليين المستوطنين، والذي كان يرتدي قبعته السوداء، وتدلت سوالفه إلى حدود كتفه، نطر إلينا بغضب وواصل سيره، بينما بقي صوت أم كلثوم يرافقنا إلى أن تجاوزت سيارة الإسرائيلي مسافة تزيد على 100 متر.
أبدى المسافرون الفلسطينيون دهشتهم، كيف يستمع مستوطن إسرائيلي لا يعرف شيئا من اللغة العربية، وربما كلمات ركيكة، إلى صوت كوكب الشرق أم كلثوم، ويطرب على أغانيها ويتمايل يمينا ويسارا.
الجدال الدائر في سيارة نقل الأجرة التي كنا نستقلها، كشف لنا حقائق لم تكن معروفة، وتبين أن الكثير من الإسرائيليين يستمعون إلى الأغاني العربية الطربية القديمة، وبالتحديد أم كلثوم وعبدالحليم حافظ. بينما كان النقاش «مشتعلا» داخل السيارة، تدخل أحد الأشخاص يدعى سامر عرفات «30 عاما»، والذي كان متجها إلى مدينة رام الله، ومنها إلى مقر عمله داخل إسرائيل، موكدا أن الاستماع إلى الأغاني العربية بالنسبة للإسرائيليين يعتبر أمرا طبيعيا، ويفضلون المطربين العرب على الكثير من المغنين الإسرائيليين. وقال عرفات: «أنا أعمل لدى إسرائيلي من أصل مغربي، وكثيرا ما يطلب مني أن أحضر له كاسيتات غنائية لأم كلثوم ولعبدالحليم حافظ». مشيرا إلى أن أصدقاء الإسرائيلي المغربي باتوا يطلبون منه الطلب ذاته. وأضاف عرفات: «نعمل في عدة بيوت، ونتنقل يوميا في أكثر من منزل بحكم طبيعة عملنا في «التشطيب»، وكثيرا ما نسمع في بيوت الإسرائيليين صوت أم كلثوم وعبدالحليم، وأحيانا فريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب، ويكون ذلك أحيانا كثيرة في بيوت إسرائيليين ليسوا من أصل عربي، وإنما من أصول روسية وأوروبية، لكنهم يعشقون سماع الأغاني الشرقية». يوضح عرفات، أن الكثير من الإسرائيليين لا يعرفون معاني الكلمات التي يتم الغناء بها، ولا يفهمون من معناها شيئا، إلا أنهم يطربون على الصوت والموسيقى الشرقية، مؤكدا أن الكثير منهم يحفظون الأغاني عن ظهر قلب، رغم عدم فهمهم أي كلمة منها.
وبمراجعة أشرف بعض الفنانين الإسرائيليين تبين أن الكثير منهم يغنون لأم كلثوم خلال الحفلات التي يقيمونها، ومن بينهم زهافا بن التي غنت «أنت عمري» و«الأطلال»، بالإضافة لأدائها العديد من أغاني المطرب محمد عبدالوهاب.
وتقول زهافا في إحدى مقابلاتها الصحافية إنها كانت تشاهد الراحلة أم كلثوم في أحلامها، وأنها حلمت ذات مرة أن أم كلثوم كانت تمسك بيدها، وبدت وكأنها راضية عن زهافا بشكل كامل، وعن أدائها الغنائي، وتقليدها لأم كلثوم بشكل دائم. وتقول: «كانت أم كلثوم تقول لي في الأحلام استمري في الطريق الصحيح ولا تتوقفي». وقد زارت زهافا الأراضي المصرية في السابق، وقالت حينها إن الهدف من زيارتها تلك هو الوصول إلى ضريح الراحلة أم كلثوم، لما تكنه لها من احترام كبير، وتعتبرها «مثلها الأعلى في الغناء».
يذكر أن زهافا ذات الأصول المغربية، كانت قد حصلت سابقا على تصريح لتصوير فيديو كليب في الصحراء المغربية. ولا تعتبر زهافا المطربة الإسرائيلية الوحيدة التي قلدت أم كلثوم، فهناك آخرون مثل شريف الدرزي، الذي كثيرا ما يغني لها أيضا ولمطربين عرب آخرين من الجيل القديم، وكذلك الحال بالنسبة للمغنية الإسرائيلية سريت حداد. </SPAN>